مؤامرات بريئة!

يُعد منصب رئيس مجلس الوزراء في الدولة العراقية بعد عام 2003، من المناصب الحساسة في إدارة الدولة، ورئيس مجلس الوزراء بحسب المادة 75 من الدستور العراقي:" هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة، والقائد العام للقوات المسلحة، ويقوم بإدارة مجلس الوزراء، ويترأس اجتماعاته، وله الحق بإقالة الوزراء، بموافقة مجلس النواب".
وهذه المهام حيوية وبحاجة لشخصية تمتاز بالحكمة والشجاعة وعمق نظر لمختلف القضايا الداخلية، والإقليمية والدولية، ومتمكن من اختيار فريقه بعناية وشفافية.
ولأهمية هذا المنصب رأينا إصراراً كبيراً من التحالف الوطني الحاكم على التمسك بالمنصب، ولهذا حينما انتهت ولاية رئيس الوزراء السابق نوري المالكي حاول جاهداً البقاء بمنصبه على الرغم من أن هذا الإصرار مخالف للدستور العراقي، حيث ذكرت المادة (77): أولاً:ـ "يشترط في رئيس مجلس الوزراء ما يشترط في رئيس الجمهورية". ومن ضمن ما حُدد- بالنسبة لرئيس الجمهورية- هو مدة الولاية، وهو ما بينته المادة (72): أولاً:ـ " تحدد ولاية رئيس الجمهورية بأربع سنوات، ويجوز إعادة انتخابه لولاية ثانيةٍ فحسب"، وبالتالي لا يحق لرئيس الوزراء أن يكون رئيساً لولاية ثالثة على التوالي.
وعلى الرغم من انتهاء ولايته لاحظنا أن المالكي رفض رفضاً قاطعاً ترك المنصب، وفي نهاية حزيران 2014، أكد" رفضه تشكيل حكومة إنقاذ وطني لمواجهة الأزمة التي تعيشها البلاد بعد سيطرة "داعش" على مناطق واسعة، وجدد تمسكه بمنصبه لولاية ثالثة".
وبعد ضغوط خارجية وداخلية اضطر المالكي للتنحي. ودخلت البلاد - حينها- في مرحلة البحث عن بديل مقبول من غالبية الأطراف المؤثرة، وكانت مهمة صعبة بالنسبة للتحالف الوطني لأنهم أردوا هذه الشخصية من داخل التحالف، وبالتحديد من حزب الدعوة على اعتبار أنه يمتلك أكبر عدد من المقاعد البرلمانية في البلاد.
وبعد حوارات موسعة بين حزب الدعوة، بزعامة المالكي، وكتل التحالف الوطني الشيعي، بزعامة عضو حزب الدعوة إبراهيم الجعفري، رشحوا رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، وهو عضو حزب الدعوة، وبذلك فهو يمثل الحزب والتحالف في إدارة الدولة العراقية.
وهذه الأيام تعالت الأصوات- مرة أخرى- القائلة بأن العبادي ضعيف في إدارته، والغريب أن نسمع هذا الكلام من شخصيات هي المسؤولة عن العبادي حزبياً، ومسؤولة عن ترشيحه لهذا المنصب، واقصد هنا رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
المالكي قال في مقابلة نشرتها جريدة "وول ستريت جورنال" الأميركية قبل ثلاثة أسابيع إنه " لا يسعى للعودة إلى تسلم منصب رئيس الوزراء، إلا أن العبادي ضعيف ومهزوز ويجب أن يستبدل بمجرد الانتهاء من عملية الموصل"، وأنه يريد أن " تقوم شخصية قوية بتشكيل حكومة قوية مع القيم الوطنية التي تعارض الطائفية والعصابات".
والسؤال الذي ينبغي طرحه هنا هو: إذا كان العبادي ضعيفاً لماذا رشحه حزب الدعوة والتحالف الوطني، وهو رفيقهم في الحزب منذ مرحلة ما قبل الاحتلال وحتى الساعة، ومن المؤكد أنهم يعرفون إمكانياته الإدارية والفكرية والإستراتيجية؟  وبهذا أظن أن المالكي باعتباره أمين عام حزب الدعوة، ومسؤول العبادي حزبياً - بإقراره بضعف العبادي ومع ذلك اختاره لهذا المنصب- فانه قد ضرب العراق والعراقيين وحزب الدعوة لأن الضعيف لا يمكن ترشيحه للمنصب الأول في الدولة إلا إذا كان هنالك أمر دبر بليل.
ومن جانب آخر اعتقد أن المالكي أراد أن يُظهر نفسه بأنه رئيس الوزراء القوي في العراق، وأن من جاء بعده هو زعيم ضعيف ومهزوز، وقد وقع تحت تهديد المليشيات،  وأن العراق بعده يُدار من رجال ضعفاء.
فهل هذه الترشيحات هي ترشيحات "وطنية بريئة" يُراد منها خدمة العراق وأهله، أم أنها مؤامرة وترشيحات لأهداف شخصية بحتة، حتى لو أساءت " لتحالفهم الوطني وحزب الدعوة"؟!
حكم البلدان بحاجة لرجال أوفياء وأذكياء وصادقين يمتلكون فريقاً محترفاً، وهم جادون في البناء والعطاء.

العراق بحاجة لمؤتمر وطني برعاية دولية يجمع الفرقاء بعيداً عن القتلة والمجرمين وتكون أهدافهم إصلاحية للوطن وللإنسان.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العراقيّون وكِذْبَات نيسان والتناحر المُرتقب!

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!