تدويل القضية العراقية!


يقصد بالتدويل: "تدخل دولة، أو مجموعة دول بشأن دولة أخرى للحد من الممارسة القاسية التي تمارسها ضد مواطنيها بشكل يهز ضمير الإنسانية".
والظاهر من خلال قراءة نصوص منظمة الأمم المتحدة، أن التدخل الإنساني مثار جدل قانوني بين الباحثين؛ بين من يرون توافقه مع قواعد القانون الدولي العام، ومن يرون تعارضه مع سيادة الدول.
عموماً، فإن الفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة تنص على أنه: "يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة، أو استخدامها ضد سلامة الأراضي، أو الاستقلال السياسي لأية دولة، أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة".
وهذا التدخل -بحسب العديد من خبراء القانون الدولي- لا يتناقض مع تلك الفقرة ما دام لا يؤدي إلى انتهاك التكامل الاقليمي والاستقلال السياسي لدولة ما، فهو لا يتعارض مع مقاصد الأمم المتحدة.
والعراق اليوم صار ساحة للعنف والقتل على الهوية، ومسرحاً لتغول المليشيات. وصارت هناك حاجة ملحة لقوة محايدة تنشر السلم المجتمعي، وفي الوقت ذاته لا تكون قوات احتلال، وهذا الوصف لا ينطبق إلا على القوات الدولية.
وغالبية العراقيين منقسمون بخصوص قضية التدويل إلى فريقين.
الفريق الأول: يرفض أصحابه الموضوع جملة وتفصيلاً، ويعدونه غير ضروري، كون ما يجري جزء من عمليات "مكافحة الإرهاب". وهؤلاء في غالبيتهم من الأحزاب المشاركة في الحكومة ومن الأطراف المتنفذة في المشهد السياسي.
الفريق الثاني: يرى أصحابه ضرورة وجود قوات دولية لحماية المدنيين في مرحلة الانهيار شبه التام للمنظومة الأمنية الحكومية. وهؤلاء يمثلون بعض السياسيين، وبعض القوى الشعبية والوطنية المعارضة لعمليات القتل والتهجير والإرهاب.
وصول مجمل الملفات السياسية والأمنية والخدمية إلى مراحل مرعبة لا يمكن السكوت عليها من ناحية التناحر والتفكك والانهيار والدمار، سيجعل هذه المرحلة أفضل المراحل الدافعة لإنقاذ العراق من دمار تام، وحرب أهلية ساحقة.
تدويل القضية العراقية لا يعني الدعوة لوضع العراق تحت الاستعمار من جديد، وإنما المقصود منه إدخال قوات دولية لحفظ السلام لإيقاف استهتار المليشيات واستخفافها بدماء العراقيين وأعراضهم.
أما أهم الأسباب الموجبة لتدويل القضية العراقية فهي:
- عجز الحكومة والبرلمان عن إدارة شؤون البلاد السياسية والأمنية والخدمية.
- انتشار أكثر من 50 مليشيا مسلحة في عموم المدن، غالبيتها مدعومة من الحكومة، وهي مستمرة في تدمير الوطن، وتنشر الخوف والرعب والقتل والدمار، وبصورة علنية، على مرأى ومسمع الحكومة وقواتها الأمنية.
- انهيار شبه تام للمنظومة الأمنية وضياع شبه كامل لهيبة الدولة في منظور غالبية العراقيين.
- عجز الشركاء السياسيين عن الوصول لقواسم مشتركة للتفاهم فيما بينهم من جهة، ومع الأطراف المعارضة لهم من جهة أخرى.
- ضعف المنظومة القضائية ووقوعها تحت مطرقة الفساد المالي وسندان الخوف من عصابات الجريمة المنظمة، الرسمية وغير الرسمية. 
- إقبال الدولة على مرحلة الإفلاس المالي المؤكد وفقاً لتصريح وزير المالية هوشيار زيباري الذي أكد أن الدولة لا تملك رواتب شهر نيسان (أبريل) المقبل، مما يعني ازدياد الجريمة المنظمة في البلاد.
تدويل القضية العراقية أضحى مطلباً جماهيرياً وسياسياً، لأن الحياة الإنسانية لا يمكن أن تنتظم مع غياب الدولة وانعدام القانون.
لا شك أن قضية التدويل لن تكون سهلة وهينة التحقق، لأن العملية السياسية في العراق -وعلى الرغم من هشاشتها- مدعومة من أطراف دولية كبرى، منها الولايات المتحدة الأميركية وروسيا. وعليه، فإن قضية التدويل بحاجة إلى ضغط سياسي ودبلوماسي وشعبي متواصل، وخطة دقيقة للوصول إلى مرحلة فرض الرأي الدافع باتجاه القبول بتدويل القضية، وإلا فإن الأمور ستبقى في العراق على هذه الحال المرعبة من القتل، والتشريد، والتناحر، وغياب الدولة، وبالتالي لن يستقر العراق وسيبقى أبناؤه مشتتين في داخل البلاد وخارجها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

السفارة البريطانيّة ببغداد... ودبلوماسيّة (الأكلات العراقيّة)!

العيد وسياسات التغريب عن الأوطان!