مليشيات متناحرة وسط الغابة!



من المهازل الواضحة في العراق اليوم، أكذوبة الدستور، وتطبيقه بصورة انتقائية رغم وضوح العديد من مواده، ومنها ما يتعلق بالمليشيات. وهذا ما أثبتته تجارب السنوات العشر المريرة الماضية.
الدستور كان واضحاً في قضية المليشيات، وقد ذكرت المادة (9) منه: "أولاً: -ب- يحظر تكوين مليشيات عسكرية خارج إطار القوات المسلحة".
وهذه المادة -كغيرها من المواد الدستورية- أُجهضت وفقاً للمصالح الحزبية والعشائرية، وصارت مجرد حبر على ورق، وأصبحت المليشيات هي المتحكم الفعلي في عموم المشهد السياسي والأمني. وحتى لا يقال إننا نتكلم بالعواطف دون الوقائع، فإننا سنترك موضوع مليشيات الحشد الشعبي، وتواجدها في مناطق حزام بغداد، وصلاح الدين والمناطق المحاذية للفلوجة، وبقية مناطق المواجهات الفعلية والمتوقعة مع تنظيم "داعش"، لنتحدث عن جرائم المليشيات اليومية في محافظة ديالى (45 كم شمال شرق بغداد)، التي يذبح أهلها بصمت، وتستباح دماؤهم بدم بارد.
ديالى تنحر -الآن- على يد مليشيات رضعت الإرهاب، وشبَّت على القتل والتخريب، وعناصرها يعبثون بالأمن، ولا يحترمون القانون، بل هم فوق القانون، ومدعومون من قيادات تنفيذية وعسكرية في المحافظة، ولا يقيدهم دين أو مبدأ. وبكلمة بسيطة، هم مجرمون محترفون، وعصابات منظمة تقتل الأبرياء بذريعة مقاتلة الإرهاب!
ولا أدري هل جرائم المليشيات في عموم العراق هي ألعاب بهلوانية، وبرامج ترفيهية للمواطنين، أم جرائم إرهابية بشعة تنفذ في وضح النهار؟! الإرهاب الذي تمارسه المليشيات في ديالى اليوم، لا يمكن السكوت عليه، لأنه تجاوز كل التوقعات!
فقبل أسبوع تقريباً، وقع انفجار إرهابي في مدينة الخالص ذات الأغلبية الشيعية (5 كم شمال مركز المحافظة). ولمن لا يعرف الخالص، فإنها مقفلة، ومحاطة بسياج أمني، ومحرمة على الغرباء. وعليه، فإن منْ نفذ الجريمة هم من المدينة، ولديهم مصلحة في زعزعة الأمن. وهم ربما بعض المسؤولين المحليين في الخالص، الذين أقيلوا من مناصبهم نتيجة الضغوط الشعبية الرافضة لهم لأنهم لم يقدموا شيئاً ملموساً لأهلها.
بعد تفجير الخالص بدأ الخوف والرعب ينتشران لدى سكان القرى والمناطق المجاورة، لأن التجربة علمتهم أنهم -وبعد كل انفجار- يكونون ضحية لموجة من عمليات القصف الصاروخي، والاعتقالات العشوائية والاغتيالات. وفعلاً، قبل يومين، أطلقت المليشيات المتمركزة في الخالص وغيرها عشرات الصواريخ على أحياء: هبهب، والكاطون، والسادة، والأسود، وجرف الملح، وغيرها، وراح ضحيتها أكثر من 30 شهيداً وعشرات الجرحى!
تلك المليشيات ما تزال ترتكب -وبصورة علنية ويومية- أبشع جرائم القتل والاختطاف والاعتقال والابتزاز في عموم المحافظة. وسبق أن ارتكبت سلسلة عمليات حرق ونهب لممتلكات أهالي المقدادية النازحين بسبب العمليات العسكرية. وبعد سيطرة المليشيات على المدن -إِثْر معارك محدودة مع مقاتلي "داعش"- استغلت تلك المليشيات الفراغ الأمني فنهبت وسرقت ما خف وزنه وغلا ثمنه، وحرقت منازل المهجرين وبساتينهم في قرى: شاقراق، والعالي، اسيود، منطقة الصدور، وقرية جزيرة وغيرها. وتلك البساتين هي المورد الرئيس لغالبية تلك العوائل!
هذه الأفعال الإجرامية المستمرة تثبت حقداً وكراهية واستهتاراً يطال المدنيين العزل وممتلكاتهم، وكأنها عمليات إبادة جماعية، وتصفية مدروسة لكل معاني الحياة.
التناحر "المليشياوي" في ديالى -وتحديداً في الخالص والمقدادية- هو جزء من الارتباك الأمني الواضح في المدينة، وذلك لأن غالبية الأطراف الحاكمة الفاعلة في المحافظة تنتمي لمليشيات معروفة. وهناك اليوم تناحر واضح بين تيارين كبيرين من المليشيات في الخالص وغيرها، وبالتالي هناك تضارب مصالح "مليشياوية" يُهدد السلم الأهلي، ويُنذر بحرب دموية، وإرهاب يحرق الأخضر واليابس!
المثير للسخرية أن الحكومة المحلية في ديالى غائبة عن ممارسة دورها في حماية المدنيين، بل هي جزء من مشكلة المحافظة، وغالبية المسؤولين يديرون العديد من الملفات الخطيرة، والخاسر الأكبر المواطن المدني الذي آثر السلامة، ورغم ذلك لاحقته المليشيات في عقر داره!
فأين الدولة المدنية التي تحدث عنها دستور "العراق الجديد"؟!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العراقيّون وكِذْبَات نيسان والتناحر المُرتقب!

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!