المعارضة الراشدة.. والمعارضة الانتقامية!



المعارضة من لوازم العمل السياسي. ولا يوجد في دنيا السياسة أفكار أو مبادئ من دون معارضين، إلا في الأنظمة الدكتاتورية التي تكون فيها المعارضة تحت الأرض، أو خلف القضبان.
وعموم العمل السياسي لا يمكن أن يُرضي الجماهير؛ لأن قاعدة "رضا الناس غاية لا تدرك"، أكثر ما تتجلى تطبيقاتها في العمل السياسي.
علمتنا كتب التاريخ أن كل الأيديولوجيات، منذ بدء الخليقة وحتى اليوم، لها من يؤيدها ومن يعارضها. فالإسلاميون يعارضهم غير الإسلاميين والإسلاميين، وغير الإسلاميين يعارضهم الإسلاميون وغيرهم، وهكذا هي الحال بشأن جميع الحركات والأفكار السياسية.
والمعارضة حالة صحية، تؤكد عمق الفكر الإنساني المحب للخير والبناء، والكاره للشر والدمار. وهي جزء من حركة الحياة، واختلاف العقول والأفكار المتباينة في رؤيتها لمختلف القضايا السياسية والإنسانية، وبالتالي اختلافها في التقييم والتقدير.
الانقلاب المخيف الذي وقع في العراق بعد العام 2003، نتجت عنه "عملية سياسية" لا تمثل كل العراقيين، لأنها رُتبت ضمن مقاسات واستراتيجية المحتل الأميركي.
هذه العملية هناك من يؤيدها، وهم القلة القليلة، وهناك من وقف ضدها، وهم الغالبية العظمى من العراقيين. لكن الموجة القوية هي التي أجبرت الملايين على الصمت، خوفاً على نفوسهم وأملاكهم وأعراضهم. وبالتالي، هناك صمت اضطراري؛ بسبب تغول المليشيات، وغياب ثقافة وقوانين المعارضة.
والمعارضة ربما تكون معارضة راشدة، قائمة على الأخلاق الصافية البعيدة عن الكذب والتزوير والتزييف؛ وربما تكون معارضة انتقاميّة، تجيز ضرب الفريق المخالف بكل السبل الدونية، بعيداً عن الأخلاق والقيم الإنسانية، وفق مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة". وهذه معارضة لا يتشرف الحكماء بالانتماء إليها؛ لأنها تحطُ من قدرهم، ولا تليق بهم.
ونحن حينما تشرفنا بالوقوف ضد المحتل الأميركي، وما تولد عنه من كوارث ومآس لحقت بغالبية العراقيين، هذا الموقف حملتنا عليه معادلة الدين والمبدأ والوفاء للعراق، وليس الغاية منه مجرد الخلاف طبقاً لقاعدة "خالف تُعرف"؛ لأن هذه العقلية (عقلية حب الخلاف فقط)، هي عقلية مريضة، ولا يمكن أن تكون قريبة ممن حملوا أرواحهم على أكفهم. وإن كان هناك من هم من هذا الصنف، إلا أنهم قلة شاذة، لا تؤثر في المحصلة النهائية على أصول هذه المعادلة التي لا خلاف عليها بين الحكماء.
وانتقادنا للأوضاع المؤلمة في العراق لا يمكن تفهمه على أنه طعنة في ظهر البلاد التي ما تزال أفضالها علينا حتى الساعة؛ وإنما حب العراق هو الذي يدفعنا إلى نقل الصور المأساوية للعالم، فليست الغاية مجرد الانتقاد.
الأخلاق الفاضلة للمعارضة لا تسمح بتزييف الحقائق. وعليه، ينبغي أن يكون العمل المعارض عملاً راشداً، قائماً على الحقائق والوثائق التي لا يمكن لا للعدو ولا للصديق أن ينكرها، وهذا كله يدعم قوى المعارضة. كذلك، فإن المعارضة القائمة على قاعدة "اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس"، هي معارضة مريضة. وإن كانت في بعض الأحيان تأتي بثمار آنية، إلا أنها بالمحصلة ستُكشف، وحينها نجد أن الجماهير لن تتقبل مثل هكذا أكاذيب، والمحصلة ضعف في صف المقاومة الوطنية الذي هو بحاجة لمزيد من القوة، وليس مزيدا من الهوان.
مما لا شك فيه أن غالبية من جاؤوا مع المحتل، أجرموا بحق العراق وأهله، ولا يمكن تقبل خيانتهم لوطنهم تحت أي تبرير كان؛ لأنهم طعنوا أهلهم بخنجر مسموم!
الكذب لا يمكن أن يكون سبيلاً لإسقاط الحكومات. وإن كان من هم في المنطقة الخضراء اليوم قد مارسوا الكذب على الأميركيين وأوهموهم، وهم يعلمون أنهم كاذبون، بأن العراق يمتلك أسلحة محرمة دولياً، ليساهموا من خلال هذه الأباطيل في تدمير العراق بحجة القضاء على "النظام الدكتاتوري"، فكانت "الغاية عندهم تبرر الوسيلة"، وأثبتت التجارب أنه لا يهمهم السير في أسوأ السبل وأقذرها من أجل الوصول إلى الحكم، وذلك ليس من أخلاق الرجال، ولا من الشهامة والمروءة.
سيبقى حب العراق تاجاً على الرؤوس. وهذا التاج لا يمكن أن يُدنس بالكذب والتزوير، والسقوط الفكري والأخلاقي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى