إشكالية الولاء في العراق!




مسألة الولاءات والتأييد، أو المعارضة لهذا الطرف الفاعل في المشهد العراقي، أو ذاك تُعد من الأبواب المهلكة، التي يمكن بموجبها اتهام الآخرين بالإرهاب، ونفي الوطنية عنهم، وإلباسهم ثوب الخيانة والعِمالة، وغالباً ما تكون قضية محاولة معرفة هذه المواقف صادرة من الطرف، الذي يملك القوة على الأرض من جميع القوى الفاعلة.
اليوم، وفي ظل الصراع العنيف المستمر في العراق بين القوات الحكومية المدعومة بمليشيات الحشد الشعبي من جهة، وبين مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية من جهة أخرى، نجد أن غالبية المواطنين العراقيين - في ظل هذه الضغوط الولائية - في حيرة من أمرهم؛ لأنهم - في الواقع - يميلون لكفة العراق، ولا يميلون لأية كفة أخرى.
في ضوء هذه التناقضات، والحيرة الفكرية للمواطن العراقي، نستغرب بعض التصريحات، التي يطلقها بعض السياسيين المشاركين في العملية السياسية، وخصوصاً منذ تشكيل مليشيات الحشد الشعبي في حزيران الماضي، وكانت مجمل تصريحاتهم تركز على أن:( منْ لم يكن مع الحشد الشعبي فهو مع داعش)!
وهذا الكلام، أو الفهم فيه الكثير من الظلم، والتجني، والتسلط القانوني، الذي يُستخدم، للضغط على المواطنين؛ لتحقيق ولاء مزيف، لا يمكن أن يخدم الوطن؛ لأن الولاء النقي يتحقق بإرادة ذاتية، نابعة من القلب والوجدان، لتقديم أفضل الامكانيات للوطن والأمة.
قراءة الواقع العراقي يمكنها أن تفرز ثلاث قوى فاعلة على الأرض، وهي: القوات الأمنية والعسكرية الحكومية بكافة صنوفها، التي تأتمر بأوامر القائد العام للقوات المسلحة، ورئيس الحكومة السيد حيدر العبادي، والقوة الثانية، هم مقاتلوا تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وأخيراً مقاتلوا تنظيم الدولة الإسلامية الشيعية (داحش)، والتي تأتمر بأوامر النائب هادي العامري، مسؤول منظمة بدر، وهذه القوى هي المتحكم الأبرز في مجريات الأحداث، إذ إنها تملك المال، والسلاح، والرجال، والتسلط في المناطق المتغولة فيها.
هنا لابد من التمييز الدقيق بين هذه الأطراف، وهذا التفريق يجبرنا على تحديد الطرف، الذي سيقف معه غالبية العراقيين، ومن جميع مكوناتهم، وهذا الطرف ينبغي أن يتصف بصفات محددة ودقيقة؛ وعليه يمكن القول إن غالبية العراقيين مع:
1- كل من لا يسفك الدماء، ويؤمن بقدسية النفس البشرية، سواء أكانت هذه النفس مسلمة، أم غير مسلمة.
2- العراقيون مع كل من لا يستبيح أعراض المواطنين وشرفهم تحت أية ذريعة، أو مسمى ديني، أو عرفي، أو قانوني.
3- هم ليسوا مع المليشيات الإرهابية، ويعتبرون هذه المليشيات - بكافة صنوفها ومسمياتها - خارجة عن القانون.
4- هم مع كل من لا يستبيح أموال المواطنين العامة والخاصة؛ لأنها أموال معصومة لا يحق لأحد الاقتراب منها.
5-  هم يتبعون كل من لا يدنس معتقدات الطرف الآخر، أو الأضعف، أو الأقل نسبة، ويعتقدون بمبدأ: (لكم دينكم ولي دين)، ويوالون كل من يعتقد بحق المواطنين الآخرين في العيش على أرض الوطن، دون النظر إلى دينهم، ومذهبهم، وعرقهم.
6. هم مع كل من يحب العراق، ويحافظ على وحدته، وسلامة أرضه من التداخلات الخارجية، ومع من يعتقد أن الولاءات الخارجية خيانة للوطن وتدمير له.
كل مبادئ وقيم الولاء - آنفة الذكر - التي يحلم بها المواطن يمكن للدولة النظيفة السليمة تحقيقها، عبر سيادة القانون، ونزع السلاح من يد العناصر الخارجة عن القانون، وبناء أجهزة أمنية قوية قادرة على حفظ الأمن، وكذلك سن القوانين البناءة القائمة على احترام حقوق المواطنة، والرافضة لأي معيار آخر سوى معيار المواطنة، الذي يُعد من أفضل المعايير القابلة للتطبيق في كل زمان ومكان.

الموقف الواضح من جميع هذه القوى الفاعلة في الميدان هو أن المواطن العراقي ميال بطبعه للدولة، التي يعتقد أنها تحترمه وتحفظ كرامته، وتؤمن له المستلزمات الضرورية للحياة، وهذا ما لا يجده اليوم في الدولة الحالية؛ وعليه ستستمر حيرة المواطن، الذي يشعر أنه فقد البوصلة الراشدة لميادين الأمان، والحرية، والكرامة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى