تداعيات عسكرة المجتمع العراقي



في المراحل التي تضعف، أو تنهار المؤسسات الأمنية والحكومية لأي دولة؛ نجد أن ساستها يحاولون إيجاد بعض الحلول السريعة -حتى لو كانت غير منطقية، أو ذات أبعاد تدميرية- لترميم ما يمكن ترميمه، وهذا ما يحدث -تقريباً- حالياً في غالبية مدن غرب العراق وشماله.
من بين الحلول الترقيعية المتداولة الآن هو اتجاه حكومة حيدر العبادي نحو تسليح بعض العشائر في المناطق الغربية والشمالية؛ والواقع أن فكرة تسليح العشائر باتت من المطالب اليومية للعديد من شيوخ عشائر الدليم، وتحديداً عشيرة البو نمر، التي قتل منها قرابة (500) شاب على يد مقاتلي (تنظيم الدولة) في الأنبار، وكذلك عشائر الجغايفة والعبيد في ذات المحافظة، وأيضاً بعض السياسيين وشيوخ العشائر في محافظات صلاح الدين والموصل وديالى؛ وحجة هذا التسليح هو سعي أبناء تلك العشائر لحماية أنفسهم من مقاتلي تنظيم الدولة، الذي له ثارات دموية مع بعض أبناء بعض العشائر في مرحلة الصحوات. عملياً فإن المتابع لإشكالية (تسليح العشائر) وتداعياتها يمكنه ملاحظة الآتي:
- ضعف عموم الدولة، وبالذات الجيش والأجهزة الأمنية, وفشلها في حفظ الأمن في غالبية المدن، وقبل أيام ذكرت تقارير أمريكية أن» الولايات المتحدة أنفقت ما يقارب (60) مليار دولار سنوياً؛ لتعزيز وتطوير قدرات الجيش العراقي».
وهذا يعني أن هذه الأموال تجاوزت الـ(600) مليار دولار، وهذا المبلغ يعادل مائة ضعف لميزانيات بعض الدول في المنطقة!، فأين ذهبت هذه المبالغ الخيالية؟!
- استغلال بعض شيوخ العشائر لقضية (محاربة تنظيم الدولة) للمتاجرة بدماء أهلنا في الأنبار وغيرها، وبعض المصادر -غير الرسمية- تحدثت عن استلام بعض شيوخ الأنبار مليوني دولار من الحكومة؛ وهم الآن مختلفون فيما بينهم حول حصتهم من هذا المبلغ؛ وهذا يعني أننا أمام مرحلة جديدة من مراحل الثراء، والمتاجرة بدماء الأبرياء!
الاتجار بالقضية يتزامن مع تصريحات للنائب عن محافظة الأنبار فارس طه، التي أكد فيها أن «قيادة شرطة الأنبار أعادت تدريب وتأهيل (2000) مقاتل من أبناء العشائر في الحبانية، وإن ما ينقصنا حالياً هو فقط السلاح والمؤن».
هذا الفساد المالي أكده آمر فوج طوارئ ناحية البغدادي في الأنبار، العقيد (شعبان العبيدي) الذي اتهم بعض العشائر والشيوخ والمتنفذين في المحافظة، بأنهم «تسلموا أسلحة ومعدات عسكرية من قوات الجيش خلال الأشهر الماضية، وقاموا ببيعها إلى المهربين والعناصر المسلحة، وتركوا عشائرهم ومدنهم من دون حماية»!
- غياب الحلول السياسية والاتكاء على الآلة العسكرية، وعسكرة المجتمع لا يمكن أن يخلص الوطن مما هو فيه من انهيار للأمن، وانتشار للجريمة المنظمة؛ بل هذا التسليح –ربما- سيفتح الباب على مصراعيه للاقتتال السني- السني في الأنبار والموصل، والسني- الشيعي في صلاح الدين وديالى؛ وعليه فإن هذه الخطوة الحكومية دافعة باتجاه تدمير البنية الاجتماعية؛ وبالتالي فإن الخاسر -كما هو الحال دائماً- هو المواطن الضعيف، الضائع بين التهجير، والعوز، والفلتان الأمني.
ونذكر هنا تصريح لجنة الأمن والدفاع البرلمانية، الذي أشار إلى» دخول أبناء عشائر الأنبار مع قوات الحشد الشعبي، التي وصلت إلى قاعدة الأسد قبل فترة قصيرة».
ومليشيات الحشد الشعبي غير مقبولة لدى غالبية أهالي الأنبار بأي شكل من الأشكال؛ لأنهم أجرموا بحق العراقيين في أكثر من محافظة؛ ووجودهم يعد قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة.
حقيقة إجرام المليشيات أكدتها العديد من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، ومنها مركز جنيف الدولي، الذي نظم حلقة نقاشية في 30/10/2014 كشف فيها عن» مستوى الإجرام والسادية الذي وصلت إليه هذه الميليشيات، وما تقوم به من تمثيل بجثث القتلى وحرقها بالمشاركة مع وحدات الجيش والأمن، فضلاً عن حرق البيوت والحقول الزراعية».
هذا هو الواقع الحالي في بلاد الرافدين، فهل ستكون خطوة عسكرة المجتمع العراقي بداية النهاية للبنية الاجتماعية العراقية، أم أن الأفق مليء بالكثير من الاحتمالات غير المنظورة؟!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى