اللعب على المكشوف!



لن أتحدث عن القرارات الدولية، التي تمنع التدخل في شؤون الدول الأخرى - ومنها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (36/103)، المؤرخ في 9 كانون الأول/ ديسمبر 1981- فهذا الأمر بعيد عن حقيقة غالبية السياسات الدولية اليوم، والتاريخ والتجربة أثبتتا أن العديد من الدول لها تدخل بشكل ما، وبنسب مختلفة في دول أخرى، وغالبية هذه التدخلات – إن لم تكن جميعها، عدا الغزو والاحتلال ـ تكون سرية وغير معلنة.
العراق بعد عام 2003 صار ساحة للتدخل الأجنبي بحجج واهية، وهذه التدخلات غالبيتها - إن لم تكن جميعها - تدخلات سلبية؛ لم تخدم القضية العراقية المعقدة؛ بل زادت من الإشكاليات والتعقيدات؛ وكانت سبباً لمزيد من الدماء، والمناحرات في البلاد.
إيران، ومنذ الأيام الأولى لاحتلال العراق، كان لها تدخل مباشر وغير مباشر في العديد من الملفات العراقية، ومنها الأمن والسياسة والاجتماع والاقتصاد، واللافت للنظر أن سياسيي طهران، لا (يخجلون) من كشف تدخلهم المباشر في العراق وغيره من الدول العربية، بل نجدهم يتباهون بذلك، وآخر منْ تحدث عن هذا التدخل هو النائب عن محافظة طهران في البرلمان الإيراني علي رضا زاكاني، المقرب من المرشد علي خامنئي، الذي أكد نهاية شهر أيلول/ سبتمبر الماضي أن " العاصمة اليمنية صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التابعة لإيران بعد كل من بيروت ودمشق وبغداد"!
وفي نهاية نيسان/ أبريل 2013، نقلت جريدة (أخبار روز) الإيرانية على لسان العميد ناصر شعباني، وهو أحد جنرالات الحرس الثوري الإيراني تأكيده على مشاركة إيران في ( تحرير إحدى مدن كركوك من سيطرة المتمردين، وأن هذه العملية نجحت في القضاء على إحدى أهم نقاط قوة المتمردين، وأن الحرس الثوري الإيراني نفذ في الأسبوع الماضي أول عملية أمنية له في العراق بالاشتراك مع الجيش العراقي، وأن هذه العملية لن تكون الأخيرة، بل إنها قد تكون بداية لتعاون أمني عسكري إيراني – عراقي، وأن مبررات هذه العملية الأمنية هي المصالح المشتركة بين البلدين الجارين، في ظل التحديات الإقليمية، التي تواجه دول الهلال الشيعي)، بحسب قوله.
كلام شعباني يؤكد أن إيران متدخلة عسكرياً في العراق – على الأقل - منذ نيسان عام 2013 وحتى الساعة؛ لأنه أكد في تصريحه على " أن هذه لن تكون المشاركة الأخيرة"!
وهذا يعني أن الباب سيكون مفتوحاً على مصراعيه لتدخلات إيرانية واضحة في عموم المشهد العراقي.
وفي بداية أيلول / سبتمبر الماضي تناقلت بعض وسائل الإعلام صوراً  لقاسم سليماني، قائد الحرس الثوري الإيراني، وهو (يرقص) في مدينة آمرلي التابعة لمحافظة صلاح الدين، ( 160) كم شمالي بغداد؛ ابتهاجاً بسيطرة القوات الأمنية على تلك المدينة، وفك حصار تنظيم الدولة عنها، وهناك العديد من المقاطع الفيديوية والصور الفوتوغرافية، التي أظهرت سليماني مع زعماء مشاركين في اللعبة السياسية، وهم يتباهون بالوقوف معه ضد أبناء شعبهم بحجة مقاتلة تنظيم الدولة!
اليوم، هنالك أخبار غير مؤكدة تشير إلى مشاركة قوات الحرس الثوري الإيراني في معركة جلولاء في محافظة ديالى ( 185) كم شمال شرق بغداد، قبل أربعة أيام!
والسؤال هنا:
هل التدخل الإيراني في العراق هو تدخل مجاني، أو عقائدي، أم استراتيجي؟!
المتابع الدقيق للسياسة الإيرانية في عموم المنطقة والعالم يجد أنها تمتاز بالنفس الطويل، والصبر من أجل تحقيق الأهداف البعيدة، وهذا ما يجعلنا نتوقع أن مفاوضات الملف النووي الجارية بين الإيرانيين والأمريكان وبقية الدول الأوروبية ستتضمن صفقة إستراتيجية لمصلحة إيران، على حساب دول المنطقة، ومنها العراق وسوريا، تتلخص بزيادة النفوذ الإيراني، ليس في العراق، فحسب، وإنما في بقية دول المنطقة، وبالذات في بعض دول الخليج العربي، وبالتالي فإن إيران ستتقاضى ثمن تدخلها في العراق وسوريا عبر العديد من المكافئات الأمريكية والغربية المغرية والمجزية، التي لا يمكن تقديرها بسهولة.
وهنا نريد أن نؤكد على أن التدخل الإيراني ليس له علاقة بالجانب العقائدي، وإنما الغاية منه تحقيق مصالح الأمة الإيرانية!
وهذا ما يعتقده الكثير من العراقيين!                    
التدخل الإيراني العلني في الشأن العراقي لا يمكن أن يكون منقذاً لزعماء المنطقة الخضراء من غضب العراقيين، الذين استيقظوا على خزينة فارغة، نهبها دعاة الديمقراطية والشفافية، وجيش لا يمكنه الحفاظ على أرواح عناصره؛ فضلاً عن حماية شعبه؛ فأي حجم من الخراب هذا، الذي يعيشه عراق الحضارات؟!

هي الحقيقة انكشفت، وهي الشمس بزغت، ولا يمكن لساسة المنطقة الخضراء، ولا للإيرانيين أن يخدعوا العراقيين ثانية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

السفارة البريطانيّة ببغداد... ودبلوماسيّة (الأكلات العراقيّة)!

العيد وسياسات التغريب عن الأوطان!