العراقيون والموت والخطر



المخاطر التي تواجه الإنسان في حياته، كثيرة ومتنوعة، منها ما يمكن تحمله، ومنها ما هو في عداد الكوارث التي لا تبق ولا تذر، ومن بين تلك المخاطر الحروب والفيضانات والزلازل والعواصف، وغيرها من الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية، التي تهدد حياة الإنسان والحيوان والجماد على حد سواء.
العراقيون تعرضوا لمخاطر من طراز خاص، نفذها ضدهم العدو والصديق، القريب والبعيد، ورغم ذلك فقد واجهوها بأجسادهم الضعيفة منذ تسعينيات القرن الماضي، وحتى ساعة كتابة هذه الكلمات، وتتمثل هذه المخاطر في شتى مناظر الرعب والإرهاب والخراب المنتشرة في حياتهم اليومية؛ وعليه قال خبراء مختصون بشركة (مابلكروفت) الاستشارية البريطانية في تقرير لهم، متعلق بتحليل المخاطر، ونشر نهاية الشهر الماضي؛ إن " العراق يُعد البلد الأكثر خطورة في العالم".
وأوضح الخبراء أن: " العام الجاري شهد زيادة كبيرة في أعداد الأشخاص الذين فقدوا حياتهم في العراق بواقع خمسة آلاف و(929) شخصاً، وهو ما يمثل زيادة عن العدد المسجل في السنة الماضية بـ(2188) شخصاً".
وبموجب هذا التقرير-  الذي ينقل للعالم حقيقة الخوف والرعب في بعض الدول – " فقد حلّت أفغانستان في المرتبة الثانية بعد العراق؛ في قائمة الدول الأكثر خطورة على الإنسان في العالم، تليهما باكستان والصومال على التوالي، ثم اليمن فسورية ولبنان وليبيا"!
فهل سينتبه العالم إلى حجم الكارثة العراقية، أم أن بعض وسائل الإعلام منشغلة بالترف الفكري؛ في حين تنحر آلة الحرب الصهيونية، والمالكية في العراق المدنيين في كل من غزة والفلوجة وتكريت والموصل؟!
ولتأكيد هذه الحقائق المذهلة أعلنت بعثة الأمم المتحدة في العراق ( اليونامي) في  بيان لها أن" (1737) عراقياً قتلوا فيما أصيب (1978) في شهر تموز الماضي، في مناطق متفرقة من العراق باستثناء محافظة الأنبار".
وأكدت ( اليونامي) أنها: "سجلت الحد الأدنى من الحوادث الأمنية خلال الشهر الماضي، وكانت (400) حادثاً في مناطق مختلفة من العراق، وشملت (62) هجوماً جوياً خلفت ما لا يقل عن (823) قتيلاً وجريحاً، و(30) حادثاً ناجماً عن السيارات المفخخة والعبوات الناسفة، تسببت بمقتل وإصابة (535) شخصاً".
مصدر في مستشفى الفلوجة أكد مقتل ( 132) شخصاً في الشهر الماضي، وبهذا يكون مجموع الذين قتلوا خلال شهر تموز ( 1869) شخصاً.
وهكذا تؤكد هذه الحقائق، التي ذكرتها منظمات دولية محايدة، فشل حكومة المالكي في إدارة الشؤون العامة في البلاد؛ وذلك لأن من أبسط واجبات الحكومات الحرة حماية شعبها، والعمل على توفير الأمن في الوطن، وإلا فما هو دورها إن لم تحقق أبسط المطالب الإنسانية للمواطنين؟!
الغريب أن حكومات العراق لم تكن عاجزة عن حماية شعبها فقط، بل هي التي تشارك في تنفيذ غالبية هذه الجرائم، وهذا ما تشهد به مدن الفلوجة والكرمة والقائم والموصل وتكريت، التي تتعرض في كل ساعة لقصف بالبراميل المتفجرة، والطائرات، بل إن الإعلام الحكومي يطبل لقتل الأبرياء بحجة ملاحقة "الإرهابيين".
هل تتوقعون أن العراقيين سيستغنون عن العراق؛ لأن الدم والخراب والخطر انتشر في ربوع بلادهم؟!
لا أظن ذلك؛ فنحن تعلمنا حب الوطن لدرجة العشق، بل حتى الموت - عندنا - في بلادنا أجمل.

وأعتقد أن الشاعر محمود درويش – ربما - عبر عن بعض مشاعر العراقيين حينما قال:

علّقوني على جدائل نخلة

واشنقوني.. فلن أخون النخلة!

هذه الأرض لي.. و كنت قديماً

أحلب النوق راضياً وموله

وطني ليس حزمة من حكايا

ليس ذكرى، و ليس حقل أهلّه

ليس ضوءاً على سوالف فلّة

وطني غضبة الغريب على الحزن

وطفل يريد عيداً و قبلة

ورياح ضاقت بحجرة سجن

و عجوز يبكي بنيه.. و حقله

هذه الأرض جلد عظمي

و قلبي..

فوق أعشابها يطير كنخلة

علقوني على جدائل نخلة


واشنقوني فلن أخون النخلة !

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العراقيّون وكِذْبَات نيسان والتناحر المُرتقب!

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!