العراقيون وسياسة البيض المسروق



القتل على الهوية، وتغول المليشيات في عموم حياة العراقيين، وانهيار منظومة الدولة والقانون، وتأثير ذلك على القيم الإنسانية والاجتماعية؛ كل هذه المآسي تجعل الباحث في الشأن المحلي والخارجي العراقي في حيرة من أمره!
لماذا كل هذه المشاهد الدموية، ولماذا ينحر الإنسان العراقي باسلوب يعيد الأذهان للعصور المظلمة، ولماذا صار قانون الغاب هو السائد؛ في بلاد يفترض أنها صاحبة حضارة إنسانية مؤثرة في الفكر الإنساني منذ مئات السنين؟!
لماذا صار القتل في بلادنا على الهوية، ولماذا أصبح رجل الأمن هو القاتل، وأمسى الحاكم هو المنفذ للجريمة، وأُلبست الجناية ثوب القانون، وصارت مشاعر الخوف تملأ حياتنا، ولماذا جرت بيننا كل هذه الكوارث البعيدة عن القيم النبيلة، بعد أن كنا في يوم من الأيام أحبة ومتلاحمين؟!
ثم هل القتل الموجود الآن، وانهيار منظومة الأمن هو عقاب رباني، أم أن ضياع التكاتف والتلاحم وسطوة الحكومات المتعاقبة على حكم بغداد هو الذي أوصلنا إلى هذه الدرجة من الهمجية في التعامل مع بعضنا؟!
حينما نبحث في بطون كتب التاريخ – ربما - نجد بعض التفسيرات، التي تفسر بعض ما يجري في بلادنا، ومن ذلك القصة المنقولة الآتية، وهي بالطبع لا تنطبق إلا على ثلة قليلة من العراقيين؛ إلا أن آثارها – ربما - تشمل الجميع:
" جاء في بعض كتب التاريخ أن ملكاً من ملوك القرون الوسطى، كان يحكم شعباً حراً كريماً، وكان شعبه لا يسكت على باطل أبداً، ولا يدع الملك أو حاشيته يظلمون أحداً منهم، فإذا ظُلم أحدهم وقفوا مع المظلوم حتى يُرد الظلم عنه.
وفي يوم من الأيام، أراد الملك أن يتخلص من سطوة شعبه عليه، وطلب من وزراءه أن يجدوا له مخرجاً، يجعله يحكم البلد كما يريد؟!
وكان من وزرائه رجل (عبقري)؛ أشار عليه بإتباع سياسة أسماها: (سياسة البيض المسروق).
وبعد تدارس الملك مع مستشاريه، نودي في الناس أن: ( الملك يريد من كل أسرة خمس بيضات من أي نوع)؛ فجمع الناس البيض، وأحضروه إلى قصر الملك، وبعد يومين نادى المنادي: أن يذهب كل رجل لأخذ ما جلبه من البيض، فاستجاب الناس، وذهب كل واحد منهم لأخذ ما جلبه.
وهنا وقف الملك والوزير وحاشيتهم يتابعون المواطنين أثناء أخذهم للبيض!
ولاحظوا أن كل شخص تمتد يده ليأخذ البيضة الكبيرة، التي – ربما - لم يأتِ بها؛ وهنا وقف الوزير الداهية ليعلن للملك:
( الآن فقط، يا مولاي، تستطيع أن تفعل بهم ما تريد؛ فقد أخذ الكثير منهم حاجة أخيه؛ وأكل حراماً؛ ونظر كل منهم لما في يد الآخر؛ فلن يجتمعوا بعدها أبداً!)"، انتهى.
ظلم بعض العراقيين لبعضهم، والابتعاد عن الحب والتآلف، والرضوخ للظلم والباطل، وتصفيقهم للمجرمين، وإرهاب بعضهم لبعض عبر الاختطافات اليومية، ومن ثم الابتزاز للعوائل الآمنة، وانتشار الاغتيالات المنظمة، والتفجيرات التي تسحق الأبرياء، وغيرها من المناظر الدموية، هي التي نشرت بينهم الإرهاب والرعب!
فمتى نتعلم، ومتى نجعل من المحنة منحة، ومتى نوقف نشر "سياسة فرق تسد" بيننا، ومتى نُرهب أعدائنا بتلاحمنا، ومتى سنقول للمجرمين كفوا أيديكم عن نحرنا، وللسراق كفاكم نهباً لأموالنا، وللحكام - القابعين في صوامعهم - كفوا عن تصريحاتكم التدميرية، التي زرعت الحقد والكراهية بيننا، ومتى نفتح - مع بعضنا - صفحة مليئة بالحب والصلاح، نقية من البغض والتخريب، متى، ومتى، ومتى؟!
أسئلة كثيرة ومحيرة، لا نعرف كيف نجيب عليها؟!
وقبل يومين رحل عنا الشاعر الفلسطيني سميح القاسم، الذي أنشد في مثل هذه المواقف قائلاً:
" يا أيها الموتى بلا موت؛
تعبت من الحياة بلا حياة
وتعبت من صمتي
ومن صوتي
تعبت من الرواية والرواةِ
ومن الجناية والجناة
ومن المحاكم والقضاة
وسئمت تكليس القبور
وسئمت تبذير الجياع
على الأضاحي والنذور".

لك الله يا عراق!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العراقيّون وكِذْبَات نيسان والتناحر المُرتقب!

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!