ثلاثون يوماً من " العقاب الديمقراطي" للأنبار



بأي منطق نتحدث عما يجري في العراق، هل نتحدث بمنطق العقل والحكمة، أم بمنطق القوة والسلاح، أم بلغة الوحدة الوطنية، أم بسلطة القوانين السماوية والأرضية، أم بغيرها من المفاهيم التي تعلمناها من هنا وهناك؟!
صدقاً الحيرة تملأ كافة أركان المشهد العراقي.
علمتنا الحياة أن الجيش يحرس الوطن، وأن الشرطة في خدمة الشعب، وأن الأجهزة الأمنية بكافة صنوفها العلنية والسرية، هي العين الساهرة على الأمن والنظام، وأن القضاء هو الخيمة التي يحتمي في ظلها الضعيف، الذي يلجأ للقانون؛ حينما يعجز عن تحصيل حقوقه، هذا هو الحال في عموم مشارق الأرض ومغاربها إلا في "العراق الجديد"!
في "العراق الجديد" الآن الجيش يضرب الشعب، والشرطة تنتهك الأعراض،  وترتكب أبشع الجرائم تحت مظلة القانون، والأجهزة الأمنية غالبية عناصرها من المليشيات، التي لا يردعها دين صحيح، ولا خلق قويم، وهي تعامل الناس بأسلوب همجي متخلف، وتنفذ أجندة محددة في داخل المعتقلات وخارجها؛ هدفها النيل من كرامة المواطن، وقتل روح الوطنية في داخله، أما النظام القضائي فهو في غالبه- مع الأسف- صار سيفاً يحز رقاب الضعفاء، وبدلاً من اللجوء إليه؛ فإن سعيد الحظ من يفلت من قبضته، وهكذا هي التناقضات في كل حدب وصوب!
في مثل هذه الأيام قبل أكثر من شهر بدأت المواجهات المسلحة، التي أرادتها حكومة المالكي مع أهالي الأنبار، ومنذ الساعات الأولى للحرب استخدمت الحكومة كل ما تملك من قوة مادية وإعلامية؛ لإعلان "النصر" على الشعب، في واحدة من المهازل التي رأينا مثلها في تونس وليبيا ومصر، والمستمرة حالياً في الشام.
حصيلة الدمار والخراب الذي ذاقته الفلوجة خلال هذا الشهر، لا يقل بشاعة عن الدمار الذي خلفه الاحتلال الأمريكي، وخلال العشرة أيام الأولى فقط من الهجوم الحكومي على الفلوجة سقط (357) ضحية بين قتيل وجريح، بحسب ما ذكرت دائرة صحة الانبار.
وأعلنت منظمة السلام لحقوق الإنسان في الانبار، في يوم 11/1/2014، أن" بعض السكان دفنوا ضحاياهم بالحدائق المنزلية، وبلغ عدد الضحايا المدنيين (73) قتيلاً، بينهم (21) طفلاً، و(13) امرأة، فيما أصيب (297) آخرين، بينهم (155) طفلاً وامرأة، وأن (89) جريحاً حالاتهم حرجة للغاية".
القسوة التي تعاملت بها قوات المالكي المتنوعة مع الثورة الشعبية في الانبار وصلت لحدود يمكن معها إعلان الفلوجة منطقة منكوبة، وفي يوم 28/1/2014، أصدرت منظمة الصليب الأحمر الدولية بياناً قالت فيه إن" موجة العنف الأخيرة اضطرت الآلاف من سكان محافظة الأنبار إلى ترك منازلهم بحثاً عن الأمان".
وروت ماجدة فليحي، مسؤولة فريق اللجنة الدولية للصليب الأحمر شهادتها بخصوص الوضع في المدينة، وأكدت أن " الفلوجة مهجورة، ولكن ليست خالية. والوضع الإنساني فيها صعب للغاية، فالناس يتحركون بصعوبة داخل المدينة؛ بحثاً عن ملجأ آمن، ولم يعد بمقدور الأطفال الذهاب إلى مدارسهم، كذلك، تفتقد المدينة للبضائع الأساسية كالغذاء وحليب الأطفال، كما لم يعد باستطاعة المستشفيات تلبية احتياجات أعداد المصابين الكبيرة".
وهنا لا بد أن نشير إلى عدم وجود إحصائيات دقيقة لحجم الخسائر في الأنبار؛ وذلك بسبب الحصار المستمر على المدينة، والتعتيم الإعلامي، ولكن هذه الخسائر، وبعد شهر تقريباً من القصف العشوائي للمدينة- ربما- تجاوزت الألف ضحية بين قتيل وجريح من المدنيين، الذين قرر المالكي وجيشه معاقبتهم بأسلوب "ديمقراطي"؛ لأنهم طلبوا بعض الحقوق الإنسانية المشروعة!
فإلى متى سيبقى الصمت الدولي تجاه ما يجري في العراق، والى متى سيتجاهل الإعلام العربي والإقليمي المجازر التي يرتكبها سفاح المنطقة الخضراء؟!

مدينتا الفلوجة والكرمة الآن هي تحت سيطرة أبناء العشائر، وهذا باعتراف المالكي في خطابه الأسبوعي يوم الأربعاء الماضي، وأظن أن مرحلة المناطق المحررة، التي ذكرتها في مقالي السابق، بدأت تظهر بوضوح، وهذا يؤكد أن مرحلة خلاص العراقيين من الأوضاع المزرية التي يعشونها اليوم قد قربت.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى