غاندي يتحدث عن( العراق الجديد)!



البحث في بطون التاريخ البعيد والقريب يمكن أن يعين الأخيار من العراقيين على إيجاد بعض الحلول للمهازل المستمرة في بلادهم، وهذا البحث يحتاج للتنقيب في كتب التراث والسياسة المليئة بالدروس والعبر والمواعظ.

العنف الذي يعصف بـ(العراق الجديد) يجعل الحليم حيرانًا من هول تلاطم أمواج بحر الدماء المستمر في الجريان؛ دون توقف، وبلا رحمة، وكأن العراق اليوم صار بلاد الثلاثة أنهر: دجلة والفرات والدم؛ ولهذا حاولت أن أجد بعض التفسيرات للحالة العراقية الحالية من فكر هذا القائد، أو ذلك الزعيم، ومما استوقفني كثيرًا كلام المهاتما (موهانداس غاندي)؛ (ت: 1948) زعيم الهند الأبرز في مرحلة النضال السلمي ضد الاحتلال البريطاني، وزعيم حركة استقلال الهند؛ سيرة حياة هذا الرجل مليئة بالدروس والعبر، جديرة بالدراسة والتمحيص، وأخذ الدروس السياسية والاجتماعية والإنسانية منها، وهذا جزء من بركات السلام الذي آمن به غاندي.

والعجيب أن تجد العديد من الكلمات التي ذكرها المهاتما غاندي تنطبق اليوم على العراق في مرحلة ما بعد عام 2003، وهذا ليس من المصادفة الغريبة؛ بل لأن الإجرام والقتل والإرهاب- أينما كان- يحمل نفس الغايات، وإن اختلفت أساليب تنفيذه، وبالمقابل فإن الحلول ستكون متشابهة في الوصول إلى حالة السلم المجتمعي.

ومما لا خلاف عليه بين العقلاء أن القتل الذي تمارسه المليشيات الرسمية وغير الرسمية هو أكبر وأبشع صور الإرهاب، والقتل جزء من لوحة العراق التي رُسمت بجماجم العراقيين، ولونت بلون الدم وأشلاء المساكين الذين لا حول لهم ولا قوة!

بداية الرحلة مع المهاتما غاندي كانت مع كارثة الإرهاب الواضح في المشهد العراقي، حيث ذكر غاندي: "ليس هنالك طريقًا للسلام، بل إن السلام هو الطريق"، وقال: "أنا مستعد لأن أموت، ولكن ليس هنالك أي داعي لأكون مستعدًا للقتل"، وأن "النصر الناتج عن العنف هو مساوي للهزيمة، إذ أنه سريع الانقضاء".

العراقيون اليوم يتمنون السلام، ليس مع بعضهم بعضًا كمواطنين، بل يتمنون أن يجدوا سلامًا سياسيًا؛ لأن الفتنة التي تعصف بالعراق اليوم هي فتنة سياسية وليست طائفية، وعلى الرغم من محاولات بعض وسائل الإعلام المحلية وغير المحلية؛ لبث روح التفرقة بين العراقيين؛ فإن العراقيين – كمواطنين- متمسكون فيما بينهم بطريق السلام.

الزلزال المرعب المستمر في اغتيال العراقيين، يدعوهم جميعًا إلى النظر للمستقبل، المستقبل المليء بالعدل وإحقاق الحق، والابتعاد عن السياسيين الطائفيين المتشبثين بحكم المنطقة الخضراء، وكما يقول غاندي: ( بالإيمان يتخطى الإنسان أعتى الجبال).

أما بخصوص الاعتقالات العشوائية التي تسببت بمقتل الآلاف من الأبرياء والذين صبروا حتى فاضت أرواحهم الطاهرة للباري عز وجل، فيقول غاندي عنهم: "ربما يعذبون جسدي، ويحطمون عظامي؛ ولكن سيكون لديهم جسدي الميت لا طاعتي وخنوعي".

وهنا نقول لكافة المتاجرين بالوطنية الفارغة، ما قاله غاندي: "سيبقى ما فعلته.. لا ما قلته، أو ما كتبته"، نعم سيبقى ما فعلتموه من ظلم واضطهاد، ولن تنطلي أقوالكم وكتاباتكم على أحد!

إن العراقيين اليوم -رغم تغول السلطة الرسمية عليهم، ومحاولتها قهرهم للرضوخ لجبروتها- مصممون على نحر الشر والفساد المستشري في بلادهم، وهم عازمون على تحقيق هذا المطلب الجماهيري، وقوتهم كما يقول غاندي سببها إيمانهم بالله أولاً، ثم إرادتهم الصلبة، وأن قوتهم: "لا تأتي من مقدرة جسمانية، بل تأتي بها إرادة لا تقهر".

محاولة تبرير الإجرام في العراق بحجة القضاء على الإرهاب لن تغير من الحقيقة شيئًا، وهنا يقول غاندي: "الخطأ لا يصير حقيقة وهو ينتشر ويتعدد، والحقيقة لا تصير خطأ لأن لا أحد يراها".

أخيرًا ومضة حكمة قالها غاندي: "يجب أن لا تفقدوا الأمل في الإنسانية. إن الإنسانية محيط، وإذا ما كانت بضع قطرات من المحيط قذرة فلا يصبح المحيط بأكمله قذرًا!".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى