الكواتم القاتلة في العراق الديمقراطي




جريمة القتل بلا سبب شرعي وقانوني هي فعل لا يعكس رجولة القاتل، بل هي خسة وغدر وسقوط، ولا يختلف على ذلك اثنان من العقلاء. وواقعة القتل غدراً هي من أبشع جرائم سفك الدماء؛ لأنها لا تمثل إزهاقاً للأرواح فقط، وإنما هي أشنع لأنها بنيت على الغدر والخداع، وهذا ديدن العصابات الإجرامية العاملة في العراق الديمقراطي اليوم.
والقتل في بلاد الرافدين، صار اليوم بسبب ومن دونه، وبالمحصلة نحن أمام كوكبة من المغدورين الذين لا يعرفون لم قتلوا، ومنْ الذي قتلهم؟!!
ومن ابرز أدوات الغدر الأسلحة التي تسمى الكاتمة، وكاتم الصوت مصطلح يستخدم للأسلحة الخفيفة التي تستخدم لغدر الأبرياء في وضح النهار. وفي هذا الميدان المخيف اجتاحت العاصمة الأسيرة بغداد مرة أخرى موجة مخيفة من الاغتيالات بالأسلحة الكاتمة للصوت وسط عجز حكومي واضح في مواجهة حالة الفلتان الأمني في عموم بلادنا المنكوبة، حيث أعلنت الأجهزة الأمنية الحكومية يوم 5 أيار/ مايو 2011 أن أجهزة كشف المتفجرات -التي انفق عليها ملايين الدولارات- عاجزة عن الكشف عن الأسلحة الكاتمة للصوت، التي ازداد استخدامها مؤخرا لتنفيذ عمليات اغتيال، وأن اغلب أجهزة الكشف متخصصة بكشف المتفجرات فقط، ولا تستطيع كشف المسدسات الكاتمة، وأي نوع آخر من الأسلحة الكاتمة أياً كانت.
الجهات الأمنية والحكومية أعلنت في البداية أن الأجهزة الالكترونية التي تستخدمها عند الحواجز قادرة على كشف عشرة أنواع على الأقل من الأسلحة والمتفجرات، بينها المسدسات، لكنها عادت وأعلنت أن هذه الأجهزة غير فعالة، وهددت بمقاضاة الشرطة البريطانية التي باعتها إياها، والغريب أن الشرطة الحكومية ما زالت تستخدمها حتى الآن على الرغمِ من الارتفاع المستمر في أعداد القتلى الذي يذهبون ضحية للاغتيالات بالكواتم.
مرصد الحقوق والحريات الدستورية أشار في تقرير صدر مؤخرا إلى أن عدد الذين اغتيلوا خلال العام الماضي بلغ (686) شخصا معظمهم بمسدسات كاتمة، وأن معظم الضحايا سقطوا في بغداد (230) ونينوى (209) وديالى (70) ثم كركوك (46) وصلاح الدين (41).
وفي يوم 8/ 5/ 2011 ذكرت تقارير صحفية أن تسعة ضباط من كبار ضباط الجيش والشرطة قد سقطوا بالرصاص الصامت في الأيام الأخيرة، وواحدا وعشرين غيرهم تعرضوا لمحاولات اغتيال بالرصاص ونجوا؟!!
‎وبحسب بعض المختصين، فإن الحصول على ارقام وأنواع سيارات الضباط الكبار ومحلات سكناهم وعملهم، يحتاج إلى قاعدة بيانات تتوفر لدى الوزارات الأمنية ذاتها، وبالتالي فان هناك احتمالاً كبيراً لوجود خروقات أمنية داخل هذه الوزارات، تسمح بتسريب معلومات دقيقة عن منتسبي الوزارات الأمنية من كبار الضباط. وكل هذه المعطيات تشير بما لا يقبل الشك أن هنالك تصفيات سياسية طائفية مدفوعة الثمن تدفع باتجاه هذه الاغتيالات المنظمة، وإلا كيف يمكن تسريب المعلومات المتعلقة بأوقات الدخول والمغادرة، وأرقام السيارات الحكومية وأنواعها وغيرها من المعلومات الأمنية الحساسة؟!!
وفي يوم 29/ 5/ 2011 كشفت حاكم الزاملي عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب العراقي أن اغلب مستخدمي الأسلحة الكاتمة للصوت يحملون هويات «باجات» حكومية؟!!
ما يجري على الساحة البغدادية مهازل لكنها للأسف مهازل لا تثير السخرية والضحك، بل تبكي العيون وتدمي القلوب؛ لأنها مدفوعة الثمن من دماء الأبرياء من العراقيين، فإذا كانت الحكومة عاجزة عن إدارة الملف الأمني فما دورها إذا؟ وعليه، اليوم باستطاعة أي كان أن يجلس على كرسي الحكم، ويدير شؤون البلاد طالما أن المسؤول قد أمن المساءلة والمتابعة من قبل شركائه في اللعبة السياسية، وفي ذات الوقت لا يراعي النداءات الشعبية الداعية للتغيير والإصلاح؟!!
قتل طائفي منظم ودقيق، في بلاد تعيش بلا بوصلة واضحة، وشعب منكوب مغلوب على أمره، ومركب لا ربان له، هذه ببساطة صورة العراق الجديد اليوم؟!!
وما زال القتل بالأسلحة الكاتمة يتخطف أرواح العراقيين حتى ساعة كتابة هذا المقال؟!!
Jasemj1967@yahoo.com

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى