العراقيون بين سيول الأمطار والسياسة!


من جديد تُثبت الأحداث أنّ حكومة بغداد غير واعية لحقيقة الدور الذي ينبغي أن تقوم به الحكومات الحريصة على شعبها، وهذه المرّة كانت بسبب تراخيها، وتقصيرها في التعامل مع السيول التي ضربت بعض المدن العراقيّة، وبالذات تلك التي تضمّ معسكرات النزوح الداخليّ من ضحايا العمليات العسكريّة التي خرّبت بيوتهم، وفرّقت شملهم وصاروا في مهبّ الرّيح.
اليوم - ومع التطور العلميّ- صار من الممكن التنبؤ بحدوث السيول، عبر استخدام تقنيّة الاستشعار عن بُعد, وأيضاً يمكن للصور الفضائيّة أن تُبيّن  اتجاهات حركة السُحُب وأنواعها، والأماكن المعرّضة لخطر السيول، لتحذير المواطنين منها، وبالذات أولئك الذين يقطنون في السهول والوديان، ومنازلهم من الطين، أو الخيام لأنّها أماكن، أو مدن يمكن أن تُمحى في مثل هذه الظروف المُهلكة.
وفي فجر الجمعة والسبت الماضيين ضربت السيول قرى الحورية والخضرانية المحيطة بمدينة الشرقاط في محافظة صلاح الدين، والتي لم تحذّر منها حكومة بغداد المواطنين، وكأنّها في القرون الوسطى ولا تمتلك هيئة للأنواء الجوّيّة!
السيول خلّفت ثمانية قتلى على الأقل، وثمانية مفقودين، وعشرات المصابين، ونحو ثلاثة آلاف مشرّد بعد أن غمرت المياه نحو 3000 منزلاً، وأجبرت 1400 أسرة على النزوح باتجاه مركز المدينة، وإلحاق أضرار فادحة بممتلكات المواطنين ونفوق أعداد كبيرة من مواشيهم.
السيول ضربت أيضاً معسكرات النزوح في (الموصل)، وأكدت مفوّضيّة حقوق الإنسان " غرق ألف و500 خيمة للنازحين".
السيول القاتلة اجتاحت كذلك عدّة محافظات ومنها ديالى، وواسط وذي قار وغيرها، ومع ذلك فإنّ حكومة بغداد - المفتقرة للتخطيط- وقفت عاجزة عن مواجهة الكارثة الإنسانيّة رغم إمكانيّاتها المادّيّة والبشريّة الهائلة، واكتفت بتشكيل خليّة أزمة لإنقاذ المدنيين العالقين!
منظّمة حقوق الإنسان العراقيّة أعلنت بأنّ" عدداً من المواطنين من مختلف المحافظات قدموا العون والمساعدة لإغاثة أهالي الشرقاط، ولم نؤشّر أيّ مساعدات مقدَّمة من الحكومة ووزارة الهجرة للعوائل المتضررة"!
فأين هو دور الحكومتين المركزيّة والمحليّة في مثل هذه الظروف القاهرة، ونحن نتحدث عن إمكانيّات دولة مثل العراق؟
الغريب أنّ بعض مواقع التواصل الاجتماعيّ نشرت صوراً لضباط ومراتب من الجيش في الشرقاط، وهم يصوّرون السيول بهواتفهم المحمولة وكأنّهم في رحلة سياحيّة، وليسوا في واجب وطنيّ، وأمام سيول تجرف أناس ضعفاء، وهم بين الحياة والموت!
ويوم الجمعة الماضية راجعت المركز الرسميّ للهيئة العامّة للأنواء الجوّيّة العراقيّة، ووجدت في نشرتهم الأسبوعية ليومي الجمعة والسبت الماضيين أنّهم لم يحذّروا من أيّ سيول في البلاد، وذكروا بأنّ الطقس في شمال البلاد وجنوبها: " غائم جزئي إلى غائم مع تساقط أمطار بين الخفيفة والمتوسطة الشدّة تكون رعديّة أحياناً"!
ولم يذكروا أيّ شيء عن السيول، وأشاروا فقط لأمطار خفيفة ومتوسطة!
فما هو دور هيئة الأنواء إن لم يظهر في مثل هذه الأيّام العصيبة؟
الخلل الوظيفيّ والإداريّ الذي ارتكبته دائرة الأنواء الجوّيّة يستوجب محاسبة المقصّرين في أداء واجباتهم الخدميّة والإنسانيّة بعدم تحذير المواطنين من السيول، ومحاسبة كافة المُتمهِّلين في تقديم الخدمات الضروريّة للمنكوبين من تلك السيول القاتلة!
التقصير الحكوميّ لا لَبْس فيه، ولهذا ينبغي على الحكومة - باعتبارها المتسبّب غير المباشر في القتل، وذلك لعدم تحذيرها المواطنين من السيول- أن تدفع دية الضحايا، وأن تعوّض المواطنين عما لحقهم من أضرار ماديّة جسيمة!
الطوفان في العراق لم يكن طبيعيّاً فقط بل أنّ الطوفان السياسيّ دفع الكتل المتناحرة إلى تأجيل جلسة الاثنين الماضي البرلمانيّة إلى الرابع من الشهر القادم بسبب عدم حسمهم لخلافاتهم حول بعض الوزارات، ومنها الدفاع والداخليّة، التي يتصارع عليها تيار مقتدى الصدر مع كتلة هادي العامري!
الصدر أبلغ العامري في "تغريدة" على "تويتر" أنّ" هناك صفقات ضخمة لشراء الوزارات وبأموال ضخمة"، وعليه ينبغي على الصدر أن يقدّم ما يمتلك من أدلّة عن "مافيات" بيع الوزارات لرئيس الحكومة والقضاء لمحاسبة هؤلاء الذين يتلاعبون بالوطن والمواطن!
فهل سيفعلها الصدر، أم أنّها مساجلات سياسيّة لا غير؟
الفيضانات في العراق متنوعة وأبرزها فيضانات الجريمة المنظّمة، والتهريب، والفساد والمحسوبيّة، والهويات الفرعيّة الساحقة للهوية الوطنيّة الجامعة!
فمتى نحيا بعيداً عن هذه الفيضانات الفتّاكة؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى