غُثاء العملية السياسية في العراق!


العملية السياسية في العراق اقل ما يمكن أن توصف به أنها عملية غُثائية غير منتجة وقائمة على التزوير واستخدام السلاح والقوة في التصويت ولهذا رأينا العزوف الشعبي الكبير من العراقيين عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت قبل ثلاثة أشهر تقريباً.
وبغض النظر عن نسب المشاركة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة نعود إلى حقيقة العملية الانتخابية فبعد عدة أسابيع من انتهاء الانتخابات بدأت النتائج – حينها- تخرج تباعاً، وفي ذات المرحلة بدأت تصريحات التشكيك العلنية بهذه النتائج إلى أن وصلت إلى مرحلة أن هنالك من يقول إنها انتخابات مزورة بالكامل، وينبغي أن تُعاد، وفي حال عدم الذهاب إلى العد والفرز هنالك من هدد بالعصيان المدني، وهناك من هدد بالذهاب إلى خيارات أخرى دون أن يحددها، وعليه كانت الخيارات مفتوحة للعديد من الاحتمالات التي ربما ستقود البلاد إلى الفوضى.
وبعد هذه الضغوط الكبيرة التي ساهم فيها الخاسرون، أو غير الراضيين عن النتائج غير الرسمية رأينا أن الحكومة قررت استبدال مفوضية الانتخابات بلجنة من القضاة التي قالت عنهم إنهم من المستقلين، ثم بدأت عمليات إعادة العد والفرز في المدن العراقية في 3/ تموز/ 2018، في عموم البلاد.
الغريب أن عمليات العد والفرز لم تغير شيئاً يذكر من نتائج الانتخابات عدا قائمة الفتح التي يترأسها هادي العامري، زعيم منظمة بدر، حصلت على مقعد واحد، بالإضافة إلى تغيير خمس شخصيات من محافظات مختلفة، ربما كان هؤلاء الجدد من المرغوب بهم، وتم طرد غير المرغوب بهم من الفائزين السابقين.
الانتخابات، ومن ثُمّ عمليات العد والفرز لم تكن بالمجان، حيث إن مفوضية الانتخابات العراقية حصلت على أجهزة العد والفرز للانتخابات بعقد قيمته مائة مليون دولار، ثم بعد ذلك تم الاستغناء عنها!
وسبق للمفوضية أن أعلنت عن حاجتها إلى (296) مليار دينار لإدارة العملية الانتخابية!
وبعيداً عن تكلفة الانتخابات وعمليات العد والفرز، التي لم تكشف الحكومة عن تكلفتها الكلية، بعد الاستعانة بمئات القضاة وعشرات الآلاف من الموظفين، نقول إذا كانت النتائج هي مشابهة، أو مقاربة، لماذا أصروا على إعادة عملية العد والفرز؟
هل هو نوع من أنواع الخداع السياسي للجمهور العراقي، أم هي بوابة أخرى من بوابات الفساد المالي الموجود في البلاد، وبالمجمل ذهبت هذه المليارات في مهب الريح، لتضاف إلى مئات المليارات التي نهبت من ميزانيات العراق الضخمة منذ العام 2003 وحتى الآن؟
اليوم وبعد تصديق المحكمة الاتحادية – وبعجالة- على نتائج الانتخابات هنالك الآن  كلام عن سباق تشكيل الكتلة الأكبر، التي يحق لها اختيار رئيس الحكومة المقبلة، وقبل يومين اجتمعت كتلة سائرون بزعامة مقتدى الصدر والنصر بزعامة حيدر العبادي وكتلة الحكمة بزعامة عمار الحكيم وغيرهم، اجتمعوا جميعهم في فندق بابل ببغداد على أمل أن يعلنوا الكتلة الأكبر، وبعد انتظار لعدة ساعات انفض المجلس دون الوصول إلى إعلان للكتلة الأكبر، وهذا يؤكد الربكة الحاصلة في الاصطفافات السياسية القائمة في العراق.
اليوم التناحر الأبرز هو داخل صفوف حزب الدعوة، وربما يمكن القول إنه بين المالكي زعيم حزب الدعوة، والعبادي مسؤول المكتب السياسي في التنظيم.
هذا التناحر برز في أقوى أشكاله، وربما يُظهر على وجه التأكيد ضعف حيدر العبادي وعدم امتلاكه الجرأة الكافية لأن يعلن انسحابه من حزب الدعوة، لأنه - ورغم هذا التناحر- متمسك بحزب الدعوة، وهذا الأمر حقيقة غريب جداً، لا ادري هل هو بقاء عن انتماء عقائدي صلب، أم هشاشة في الجرأة الكافية لاتخاذ مثل هكذا قرار تاريخي؟
عموماً اليوم نحن أمام اصطفافات بين فريقين: الفريق الأول بزعامة نوري المالكي، ومعه الفتح بزعامة هادي العامري، وهؤلاء هم الأقرب لإيران، وبتقديري هم الأقرب لتشكيل الكتلة الأكبر، وهذا ما أكده النائب عن ائتلاف دولة القانون منصور البعيجي, الخميس, بقوله "إن ائتلافه الأقرب لتشكيل الكتلة الأكبر".
وباعتقادي أن المالكي – ربما- سيُغري الكرد بإعطائهم ما سبق وأن أُخذه العبادي منهم من حصتهم في موازنة العراق، وإعادة الحصة إلى 17 بالمائة بعد أن خُفضت إلى 13 بالمائة، وربما سيتم التفاوض مع الكرد على قضية كركوك، وهنا ستبدأ لعبة المتاجرة بالوطن على حساب المصالح الحزبية والشخصية، وهذه القضية حقيقة من اخطر القضايا التي يمكن أن تواجه المشهد العراقي المستقبلي!
بالمقابل هنالك التيار الآخر، وهو تيار سائرون الفائز الأول في الانتخابات بزعامة مقتدى الصدر، والمتحالف مع كتلة النصر بزعامة حيدر العبادي، التي شهدت انسحابات كبيرة، كما قال سعد المطلبي المتحدث باسم دولة القانون، الذي تحدى  كتلة النصر بإعلان الكتلة الأكبر، وبالفعل لم تعلن الكتلة الأكبر في فندق بابل قبل ثلاثة أيام!
إذن التناحر السياسي واضح – وربما- بيضة القبان اليوم هي لدى الكرد ومحور التحالف الوطني الذي يضم كتل القرار وصالح المطلك وخميس الخنجر ومن معهم، وربما هم يمتلكون القدرة على أن يرجحوا كفة أحد الطرفين، إما العامري ومعه المالكي، وإما الصدر ومعه العبادي!
وبغض النظر عن من سيشكل الكتلة الأكبر، هنالك اليوم ولأول مرة في تاريخ العراق بعد عام 2003 حضوراً للضغط الشعبي في تشكيل الحكومة، وهذا مؤشر ايجابي يزيد من آمال العراقيين في الوصول إلى مرحلة الأمل، أو التغيير، أو البناء في بلادهم.
النقمة الشعبية التي تعم الشارع العراقي لم تأت من فراغ، وإنما كانت نتيجة تراكمات للفشل الواضح في إدارة شؤون البلاد السياسية والاقتصادية والأمنية؛ وعليه أنا اعتقد أن الحكومة القادمة ستكون ربما الحكومة الأخيرة في عراق ما بعد 2003، عراق الفوضى، عراق الخراب!
ليس أمامنا سوى الانتظار والترقب!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى