سجناء بلا حقوق



منذ القدم وجد الحكماء في السجون العلاج الضروري لإيقاف ذوي الإعاقة السلوكية وإمساكهم عن الأضرار بالمجتمع، وأيضاً لإعادة تأهيلهم ليكونوا أدوات إصلاح في مجتمعاتهم.
المتفق عليه بين العقلاء أن السجون ليست مكاناً للعقاب فقط بل هي أماكن للتربية الفكرية والسلوكية لأن صلاح الإنسان هو صلاح المجتمع؛ والمجتمع الآمن هو المجتمع الذي فيه آلية ضابطة لدوام  الحياة واستمرارها بسلام وأمان.
وفي كافة المجتمعات يمثل السلوك المنحرف تهديداً خطيراً على المجتمع، ومقابل هذا الخطر الكبير المتمثل بذوي السلوك المنحرف هنالك تهديد خطير آخر متمثل بآفة ضرب المجتمعات عبر بوابة القضاء الظالم لأنه يقود لنصرة الظالم على المظلوم، وتدمير مستقبل المظلوم وأسرته.
العراق بعد العام 2003 وجدت فيه آلية طائفية في التعامل مع المعتقلين حتى أن الكثير من النواب والمسؤولين المحليين والدوليين أكدوا أن الاعتقالات في البلاد تتم بصورة طائفية ومُهينة ودون أوامر إلقاء قبض رسمية، وكل ذلك مخالف للقوانين التي أقرها من خالفوها من زعماء العملية السياسية في العراق.
اليوم لا توجد إحصائيات دقيقة حول أعداد المعتقلين في العراق، وهنالك إحصائيات غير رسمية تشير إلى أنهم أكثر من 250 ألف معتقل، بينما تشير جهات أخرى إلى أنهم عشرات الآلاف دون تحديد أرقام معينة لأعدادهم، وبالمجمل المعارضون للحكومة لا يرضون بالإحصائيات الحكومية الرسمية على اعتبار أنها غير دقيقة وغير واضحة، وهذا الكلام فيه جانب كبير من الدقة، أو الصحة.
خلال أقل من شهرين ظهرت في العراق إحصائيتين مختلفتين، الأولى ذكرتها وكالة "أسوشيتد برس"، يوم 21/آذار/ مارس الماضي، نقلاً عن مصدر عراقي حكومي قوله إن "ما لا يقل عن 19 ألف شخص، حُكم على 3130 آلاف منهم بالإعدام، يقبعون خلف القضبان بتهمة الانتماء إلى "داعش"، وإن إجمالي النزلاء في السجون العراقية وصل حتى أواخر كانون ثاني الماضي إلى 27 ألفا و849 شخصاً، إلا أن آلاف الأشخاص الآخرين لم يتم إدراجهم بهذه الإحصائية، كونهم محتجزين لدى الشرطة الاتحادية، والمخابرات العسكرية، إضافة إلى المحتجزين لدى البيشمركة".
وفي يوم الأحد الماضي ذكرت ذات الوكالة الأمريكية - اسوشيتد برس- في تقرير لها حول المعتقلين لدى السلطات العراقية، ونقلاً عن مسؤولين عراقيين، قولهم، إن "العراق يحتجز أعداداً كبيرة من المعتقلين للاشتباه في صلاتهم بتنظيم داعش، – حوالي 11 ألف  شخص، وإنهم - حتى وإن كانوا (أبرياء)- فإن أمامهم أحد ثلاثة أحكام، السجن 15 عاماً، المؤبد، أو الإعدام شنقاً!
حينما نقارن بين الإحصائيتين الرسميتين نجد أن هنالك فرقاً كبيراً بينهما يتجاوز الـ(8)آلاف معتقل، وهذا الرقم الكبير يثير جملة من التساؤلات ومنها :-
أين ذهبت هذه الأعداد الكبيرة من المعتقلين، هل تم تصفيتهم بحجة أنهم من هذا التنظيم الإرهابي، أو ذاك، أم أن الحكومة أصلاً لا تمتلك أرقاماً دقيقة حول أعدادهم، وهذه مصيبة اكبر؟
معاناة المعتقلين كبيرة تبدأ من التعذيب اليومي، سواء على المستوى الجسدي، أو النفسي رغم صدور أحكام نهائية بحقهم، وهذا مخالف لأبسط حقوق السجناء فضلاً عن حقوق الإنسان، وكذلك انعدام الغذاء الكافي لهم، وقصور كبير في توفير العلاج رغم أن المئات منهم يعانون من أمراض مزمنة، ومنها الضغط والسكري وأمراض القلب وغيرها.
وهنا لا بد من الإشارة إلى نوع آخر من التعذيب للسجناء وذويهم، إذ أن أكبر تجمع لهؤلاء المحكوم عليهم بالإعدام هو في سجن الناصرية المركزي، على بعد (320 كيلومترا) جنوب شرقي بغداد، وهو مجمع واسع النطاق للأمن يضم أكثر من 6000 شخص، وحيث إن غالبية السجناء هم - في الغالب- من مدن غرب وشمال وشرق العاصمة، فهذا يعني أن اقرب محافظة لذويهم تبعد عن هذا السجن حوالي (450) كم، وهذا يتطلب إنفاق مئات الدولارات للوصول إلى هناك في وقت تعاني غالبية هذه العوائل من انعدام المعيل!
مقابل هذه المعاناة المالية والجسدية تتم معاملة ذوي المعتقلين والسجناء بطريقة مهينة على اعتبار أن أبنائهم من "الإرهابيين"، وهذا ظلم كبير لا يمكن تفهمه، ولا تقبله لعوائلهم المغلوب على أمرهم!
الحل الأمثل لقضية المعتقلين في العراق يكون بفصل الجانب السياسي عن الجانب القضائي، وإعادة محاكمة جميع المعتقلين وإيقاف أحكام الإعدام وتسليم ملفاتهم إلى قضاة مستقلين، ثم بعد ذلك يكون الحكم الفصل للقضاء العراقي المعروفة بنزاهته وحكمته.
استمرار الظلم للسجناء الأبرياء يؤكد أن الحكومة لا تريد إيصال البلاد إلى حالة السلم المجتمعي لأن الظلم وقود معاول الهدم في المنظومة الاجتماعية في أي بلد!
فهل ستستجيب الحكومة لمطالب إنصاف السجناء الأبرياء وعوائلهم، أم أن هذا الأمر لا يعنيها؟


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى