العراقيون بين الحلول الجذرية والترقيعية والمنطقية


قبل أيام، كتبت مقالا بعنوان "العراق بحاجة لسلسلة مؤتمرات" على موقع "عربي21" الأغر، والمقال فيه – بحسب تصوري - خارطة طريق أولية لإخراج العراق من دوامته الخطيرة التي يدور فيها منذ العام 2003، وحتى اللحظة.

المقال جاءتني حوله ردود متفاوتة بين من يؤيد الفكرة، وبين من يرى أن هذا الكلام فيه إغراق في الخيال والرومانسية.

وأصحاب هذه الآراء هم من النخب العراقية المعارضة في الخارج والداخل، ولذلك سعيت لتحصيل أكبر قدر ممكن من تلك الآراء وسنحاول إجمالها في أدناه.

الآراء يمكن تقسمها إلى قسمين: رأي مؤيد، ويريد معرفة آلية التطبيق، ورأي معارض. ومما ذكره أصحاب الرأي الأول من المؤيدين، الذين طرحوا بعض التساؤلات: "هذا طرح راقي جداً، وممتاز بفكرته، ويصلح أن يكون مشروعاً لحزب، أو تيار فكري، ولكن هناك مشكلة، وهي من سيتجاوب معه (إن لم تتبناه جهة سياسية، أو منظمة لها تأثير)، ولكن لا بد من طرحه بوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي".

وهناك من يرى أنه "علينا أن نفكر بالحلول التي طرحت في مقالتك الراقية، ولكن بطريقة  الخطوة خطوة".

وهنالك من يظن أن المقالة من "حيث استيعابها لآمال المصلحين وحاجات البلد الحقيقية للإصلاح والمصالحة جيدة جداً، ولولا يمكن حل كل هذه الإشكالات عن طريق المؤتمرات، وإن سلمنا جدلاً بإمكانية عقد هذه المؤتمرات وتشكيل البرلمان المؤقت والافتراضات التي وضعها المقال. ولكن من حيث الواقع، فالمقالة غارقة في الخيال والرومانسية وبعيدة جداً عن الواقع، علماً بأن الذي يقدم مشروع للمصالحة ولإصلاح الوضع العراقي يجب أن ينطلق من الواقع الحالي، ويبني نظريته على أساس تفكيك أزمة النظام الحالي ووضع العلاجات الواقعية التي يقبل بها شركاء العملية السياسية؛ لأن من غير المعقول أن يترك صاحب السلطة الذي يملك القوة والمال والقرار، المدعوم من دولة جارة والمعترف به من قبل المجتمع الدولي؛ سلطته، حتى لو كانت هذه إرادة المجتمع الدولي، في ظل تنافس دولي محموم على المنطقة وتشابك المصالح، إلا إذا استطعنا إقناع المجتمع الدولي على التغيير بالقوة كما فعل مع صدام، وهذا مستبعد جداً".

وهناك من يقول: "لا بد أنك بذلت مجهوداً في عرض خطة الإصلاح المنشودة، وهي مثالية، رغم أنها مع الأسف غير عملية؛ لأن فرصة تحقيقها تكاد تكون معدومة. وهنا اسأل: لمن توجه مقالك هذا، من تتوقع سوف يسمعها أو يعتني بها؟"!!

وأخيراً، هناك من يأمل بتطوير الفكرة، وأكد على أنه "يا حبذا لو طور هذا البرنامج بإيجاد آليات للوصول إلى أقصى ما يمكن الوصول إليه منه، وما لا يدرك كله لا يترك جله. هذا المشروع هو حلمنا الاستراتيجي كما تفضلتم، فيا ليت شعري لو تصدى بعض الأخيار لوضع خطط مرحلية واقعية لتحقيق ما أمكن من هذه الطموحات، حتى لا تموت الأفكار في قلوب أصحابها وحتى لا تغيب عنا استراتيجيتنا في خضم المرحلية. وكل الأعمال العظيمة كانت نتيجة لخيال يبدو مضحكا في بدايته".

الفريق الثاني، وهم المعارضون وأصحاب الحلول الجذرية يرون أن "العراق بحاجة إلى تغيير جذري وليس إلى ترقيعات، ويتمثل ذلك باتفاق القوى الوطنية الرافضة للاحتلالين الأمريكي والإيراني. ويكون ذلك باجتماع لتلك القوى وبرعاية عربية ودولية ينبثق منها التغيير بضمانات من تلك الدول، وبتشكيل حكومة وطنية بعيدة عن المذهبية والحزبية والقومية؛ تكون مهمتها إعادة العراق إلى عهده السابق بالوسائل الديمقراطية. أما كثرة عقد المؤتمرات، فإنها غير مجدية ما لم يكن لها غطاء رسمي يتمثل بما قلت آنفاً"..

وهنالك من دعم هذا الرأي بالقول: "بلد محتل لا تنفعه المؤتمرات إن لم يتم التحرير".

هذه التعقيبات وغيرها محط تقدير واحترام بلا شك، حتى تلك التي لا تتفق مع بعض طروحاتي، لأنها من المؤكد نبعت من عقول وقلوب وأرواح محبة للعراق.

ومع احترامي وتقديري للرأي الذي يؤكد أصحابه على التغييرات الجوهرية، وهم – ربما- مصيبون فيما يذهبون إليه، لكنني أرى أن الظروف الدولية والإقليمية وحتى الداخلية غير مهيئة للتغيير الجذري، وبالتالي ينبغي السعي لإيجاد مقاربات منطقية يمكن معها أو بواسطتها إخراج العراق من أزمته الشائكة، ولهذا طرحت فكرة سلسلة المؤتمرات آنفة الذكر.

صحيح أن هذه الطروحات في هذه المرحلة ربما تكون غير مفهومة أو ربما لا توجد معطيات مشجعة لها بسبب تغير ظروف البلاد بعد سيطرة أطراف دينية وسياسية محددة على غالبية المشهد السياسي العراقي، إلا أن الأصح أن هنالك قوى معارضة للحالة غير الصحية في العراق، سواء في داخل الوطن أو خارجه، وجميعها تسعى لتقليل هموم الشعب العراقي المغلوب على أمره، ولا يمكن تجاهل أصواتهم وأفكارهم.

ومن الحقائق التي تحاول حكومة بغداد القفز عليها؛ أن هنالك أكثر من أربعة ملايين مواطن عراقي في الخارج فيهم نسبة ليست قليلة من المعارضين لها، وعليه لا يمكن تصور استقرار العراق سياسياً واجتماعياً، ولا حتى أمنياً، مع وجود عشرات الآلاف من الشخصيات المعارضة في خارج العراق ومثلهم في داخله.

الذي أريد أن أؤكد عليه (في جوابي أو ردي للذين تساءلوا عن الكيفية أو الآلية) هو أن المؤتمرات التي ذكرتها في المقال السابق هي مؤتمرات مترابطة ومتوالية، لكن المؤتمر الأول، وهو مؤتمر المصالحة التي يستثنى منها القتلة والمجرمين هو الأساس الذي تبنى عليه بقية المؤتمرات، والذي ستنبثق عنه حكومة تصريف أعمال لعامين، ثم يتم ترتيب بقية المؤتمرات. وأظن أن مؤتمري المصالحة العراقية في القاهرة في عامي 2005 و2006؛ من المؤتمرات المهمة التي يمكن البناء عليها.

مشروع إنقاذ العراق المطروح يمكن تطويره وتحسينه وتعديله، وهذا المشروع لا يمكن أن يكون ما لم يُدعم من قبل طرف عراقي معارض وقوي، ومن ثمّ تتبناه دولة إقليمية يمكن أن تجعل منه الأساس الذي نبني عليه خارطة خلاص العراق.

كافة الحلول ستولد ميتة، ولا يمكن أن تكون ما لم تتحد القوى العراقية المعارضة،  الإسلامية والعلمانية. أما بقاء حالة التناحر، أو الاختلاف في صفوف المعارضة العراقية في الخارج والداخل، فهذا من أكبر أسباب إضعاف مشروع المقاومة السياسية العراقية، وتجاهل مطالبهم وحقوقهم، لهذا ينبغي علينا جميعاً التعالي على خلافاتنا من أجل عيون العراق، لنكون حينها قوة معارضة يُشار إليها.

الحلول تولد ميتة إن لم تجد من يسقيها، ولو ببضع قطرات من ماء الدعم والإسناد، أما الجلوس على التل والتباكي فلا يمكن أن ينقذ العراق والعراقيين من المآسي المركبة التي يعانون منها منذ العام 2003.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى