التخطي إلى المحتوى الرئيسي

وماذا بعد "مؤتمر الكويت لإعادة إعمار العراق"؟


ما أروع أن ينطق الإعلام الغربي بالحقيقة الناصعة التي تؤكد الغايات الجوهرية لبعض الفعاليات السياسية، وبالذات تلك المدعومة من الغرب والولايات المتحدة، ومنها مؤتمر إعمار العراق الذي عقد في العاصمة الكويت للفترة من 12-14 من فبراير/شباط الحاليّ.
حقيقة مؤتمر الكويت ونتائجه ذكرتها - قبل يومين - صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، بقلم الكاتبة مارغريت كوكر التي حسمت الجدل الدائر عن مدى نجاح أو فشل مؤتمر الكويت، وقبل ذلك كشفت عن: "تسييس مؤتمر إعادة إعمار العراق من أمريكا، وأن حربًا مع المتطرفين من تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" الإرهابي دمرت العراق، حيث أسفرت هذه الحرب عن هدم المدن وتشريد الملايين وطلب العراق من الحلفاء الأثرياء مبلغ 88 مليار دولار لإعادة البناء، وأن المؤتمر العراقي لجمع التبرعات في الكويت الذي حضره عشرات المانحين المحتملين توج بالفشل يوم الثلاثاء، حيث لم يستطع هذا المؤتمر تأمين سوى بضع مليارات من الدولارات - لم تدفع أمريكا أي شيء من المبلغ المذكور - ولقد كانت ضربة مهينة للحكومة العراقية التي لا يمكن أن تتحمل ولو جزءًا بسيطًا من تكلفة إعادة الإعمار للحرب التي كانت نتيجة الاحتلال الذي قادته الولايات المتحدة في الفترة 2003-2011".
مؤتمر الكويت لإعمار العراق - ربما - يمكن تسميته بعبارة أفضل بأنه مؤتمر تكبيل السياسات الخارجية العراقية عبر ديون ضخمة يسلب معها أو بسببها القرار السيادي العراقي في الحاضر والمستقبل.
حينما ندقق النظر في الأموال التي أعلنت في مؤتمر الكويت نجدها في الغالب العام ديون وليست هبات أو مساعدات، وهذا التدقيق يكشف أن المبلغ المقدم للعراق كمساعدات هو فقط مليار و800 مليون دولار، من إجمالي كامل المبلغ البالغ 30 مليار، وأن بقية المبلغ - وهو 28 مليار و200 مليون، من ضمنها مبلغ 16 مليار ونصف تقريبًا ديون سيادية، بالعملات الصعبة - عبارة عن  قروض ومشاريع مستقبلية لم تحدد سقوفها الزمنية!
والملاحظ هنا أن الولايات المتحدة - المسؤولة قانونيًا وأخلاقيًا - عما جرى ويجري في العراق، لم تقدم أيّ مساعدات تذكر، وكل ما في الأمر أن وزير خارجيتها ريكس تيلرسون أعلن خلال مشاركته في المؤتمر "توقيع اتفاقية بين مصرف التجارة الخارجية الأمريكي والعراق، لمنح بغداد قروضًا بنحو ثلاثة مليارات دولار"، وهذا يؤكد التهرب الأمريكي من تحمل المسؤولية القانونية في إعمار العراق على اعتبار أنها الدولة المحتلة التي أدخلت العراق في هذه الدوامة منذ العام 2003 وحتى اليوم!
هذا الموقف الدولي لم يأت من فراغ، وإنما نتيجة طبيعية لنظرة العالم لحكومات العراق المتعاقبة بعد العام 2003 التي نهبت وأهدرت خلال فترة حكمها الممتدة لعقد ونصف تقريبًا أكثر من 1000 مليار دولار، وبالتالي فإن هذا الموقف الدولي يؤكد عدم الثقة بغالبية الزعماء الحاليين في العراق، وهذه الحقيقة المخجلة أكدها عضو لجنة النزاهة في البرلمان العراقي أردلان نور الدين الذي بين أن "العراق لم يحصل على نسب المنح التي كان يطمح إليها لإعمار مدنه بسبب الخلافات الداخلية بين المكونات بالإضافة إلى عدم ثقة المجتمع الدولي بوصول هذه الأموال إلى المشاريع المطلوبة"!
وهذا الحال مؤسف جدًا لأننا نتحدث عن دولة كبيرة وغنية أصبحت في عداد الدول غير الموثوق بها، نتيجة الفشل في مكافحة الفساد المالي؛ لذلك لاحظنا أن الهبات كانت رمزية، ولا يمكن مقارنتها بحجم الدمار الهائل الذي خلفته آلة الحرب الأمريكية المسببة لكل ما جرى في العراق منذ العام 2003 وحتى اليوم.
ديون مؤتمر الكويت الضخمة المرتقبة ليست بلسمًا للجراحات العراقية، بل ستزيد من حجم معاناة البلاد التي تعاني أصلًا من ديون خارجية تصل إلى 111.725 مليار دولار حتى نهاية 2016، من ضمنها ديون نادي باريس والدائنين التجاريين وصندوق النقد العربي وغيرها بحسب ما كشفت النائبة ماجدة التميمي عضو اللجنة المالية النيابية العراقية نهاية الأسبوع الماضي.
مقابل هذه التطورات السياسية الخطيرة وبالتزامن مع انعقاد مؤتمر الكويت، وفي خطوة تؤكد عدم جدية حزب الدعوة الإسلامي الحاكم الذي ينتمي إليه رئيس حكومة بغداد حيدر العبادي، في العمل لإنقاذ العراق، أكد النائب عدنان الأسدي عضو حزب الدعوة الإسلامي أن "مقدمات مؤتمر الكويت بشأن إعمار العراق غير مشجعة، وشروط المنظمات المدنية بشأن توفير الأمن في البلاد وبيئة استثمارية صالحة وسحب السلاح من الشارع من أجل القدوم إلى العراق دليل على أنها لن تدفع أيّ شيء"!
ولا أدري ما المزعج لحزب الدعوة من تلك الشروط الواجب توافرها على اعتبار أن الإعمار لا يمكن أن يكون إلا في بيئة آمنة، فهل هم يريدون الأموال فقط لتنهب ثانية أم يريدون العمل لتوفير بيئة آمنة لمجيء تلك المنظمات؟
ينبغي على العراقيين أن يرفضوا هذه الديون، وأن يسعوا للضغط على الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما من الدول التي ساهمت في الغزو والتدمير بضرورة تحمل مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية بإعادة إعمار العراق، أما هذه الديون فإنها مؤامرة جديدة تحاك ضد العراقيين، وكل من يوافق عليها يسعى لسحق العراق وكرامة شعبه، والدول المحترمة هي التي تحرر نفسها من قيود الديون والتبعية، وبالذات تلك الدول الغنية، ومنها العراق الذي يمكن أن يخرج من هذه الدوامة عبر حكومة يمكنها ضبط واردات النفط وبقية الخيرات المنتشرة في البلاد، وتسعى للتعاقد مع شركات عالمية، ويتم تسديد مستحقاتها المالية عبر عقود طويلة الأمد، بعيدًا عن الديون التي تنهك الوطن والمواطن.
مؤتمر الكويت مجرد مظاهرة إعلامية لأمريكا وحكومة بغداد ولم يحقق طموحات الشعب العراقي الذي سحقته آلة الحرب العسكرية ومعاول السياسات العشوائية غير الواضحة!

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى

السفارة البريطانيّة ببغداد... ودبلوماسيّة (الأكلات العراقيّة)!