آكلة العقول!



أساليب خفية وعلنية يسلكها الأعداء لإيصال الأمة لحالة الذوبان والضياع، وللقضاء على روح العمل والبناء والعطاء، والتمسك بالحياة والسعي للخير وهجران الشر.
أساليب هؤلاء الأشرار تنوعت بين الواضح والغامض، وربما من أوضحها اليوم هو الإعلام غير المنضبط الذي يبث السموم في ثنايا العديد من البرامج والأخبار، وكذلك المخدرات التي تُعدّ من كبريات الآفات التي تسحق شباب الأمة وطاقاتهم.
العراق قبل العام 2003 كان من البلدان النظيفة من آفة المخدرات، واليوم - مع الأسف- انقلبت الموازنات، وصارت المخدرات تباع علانية، وفي وضح النهار، وفي الأماكن العامة.
المخدرات تغزو الآن العديد من المدن العراقية، وهي في مدن الجنوب أبرز وأوضح، والغريب أن التقارير الإخبارية من مدينة البصرة - على سبيل المثال- تتحدث عن أن" المخدرات - ومنها حبوب الهلوسة- منتشرة في المقاهي العامة، ما دفع شرطة البصرة إلى فتح مكتب خاص لمكافحة الجريمة في عموم المحافظة، والقيام بحملات ملاحقة للتجار الذين تجاوزت أعداد المعتقلين منهم الألف وخمسمائة تاجر، وهذا يؤكد تفشي هذه التجارة الفاسدة في المحافظة".
وقبل شهر تقريباً كشفت مفوضية البصرة لحقوق الإنسان عن" تصدّر المدينة قائمة المدن العراقية في نسب تعاطي وإدمان وترويج وبيع المخدرات"، وكشف ضابط رفيع في وزارة الداخلية، عن " أن العراق يغرق في المخدرات، خصوصاً المدن الجنوبية، وأن أعداد المدمنين في تزايد، ويترافق ذلك مع ارتفاع نسبة جرائم السطو المسلح والقتل العمد".
وفي نهاية شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي أعلنت قيادة عمليات البصرة، "إحباطها أكبر عملة لتهريب المخدرات في تاريخ العراق، حيث عثرت على كميات كبيرة من الحبوب المخدرة في ميناء أم قصر الجنوبي تصل إلى 16 مليون حبة، والشحنة كانت مخبأة في شحنة حقائب مدرسية".
وفي بداية الشهر الحالي طالب مجلس محافظة بابل- (100) كم جنوبي بغداد- "مجلسي الوزراء والنواب بإصدار تشريعات وقوانين حازمة ضد مروجي وتجار المخدرات"، مؤكداً على "خطورة تزايد تعاطي المواد الممنوعة من قبل شباب المحافظة، وأن الرؤوس الكبيرة من التجار لم يتم القبض عليهم حتى الآن". 
وسبق لتقرير المنظمة الدولية لمراقبة تهريب المخدرات التابعة للأمم المتحدة أن كشف بأن " العراق قد تحول إلى محطة ترانزيت رئيسية لنقل الهروين المصنع في أفغانستان وإيران إلى دول العالم".
ومع تنامي هذه الآفات القاتلة لا يمكن تصور كيف أن الكائن البشري يسمح لبضع ذرات من مساحيق المخدرات، أو حبة مُخَدِّرَة أن تُذهب عقله، وتجعله يهيم في عالم المشردين والمتسولين، فأي جريمة أكبر وأعنف من تلك التي يُسلب فيها الفكر البشري، وتنهار معها القيم المجتمعية والمفاهيم الإنسانية النقية؟!
واجب العائلة - قبل الحكومة- أن تعتني بأبنائها، ولا ترميهم إلى الطرقات وأحضان تجار الشر والأمراض والمخدرات، وإلا فلا معنى للعائلة في مثل هكذا أوضاع يكون فيها دور الآباء والأمهات منتهياً بعد مرحلة الولادة، لأن مسؤولية تربية الأولاد اليوم صارت معقدة؛ ولهذا فالواجب على الأسرة أن تكون العين الراصدة لكل صغير وكبيرة في سلوكيات أولادهم حتى لا يجدوهم في لحظة من هذا الزمن في عداد ضحايا المخدرات.
إن ضعف الوازع الديني، وازدياد معدلات البطالة، ووفرة المخدرات بأسعار رمزية، وغياب الدور الرقابي للحكومة والعائلة ومنظمات المجتمع المدني تسبب بازدياد أعداد المتعاطين لسموم المخدرات المهلكة لأبناء الوطن!
برأيي - وعلى الرغم من ارتفاع معدلات التعاطي والمدمنين- فإن القضية يمكن تداركها عبر حملة وطنية تشارك فيها الأوقاف الدينية لكافة المذاهب والأديان ووزارات التربية والداخلية والصحة ومنظمات المجتمع المدني وغيرها من المؤسسات لبيان خطورة هذه الآفة الآكلة، والسعي لمساعدة المدمنين على تركها تدريجياً عبر دورات تثقيفية بمراكز تثقيفية متخصصة.
العراق بلد مستهدف من قوى الظلام وينبغي الوقوف بوجه مساعي تجار الشر، وسماسرة الإرهاب العسكري والمليشياوي والمخدراتي، وإلا سنجد بلادنا في المدى المنظور تنخرها المخدرات، وحينها لا يمكن التصدي لهذا البركان المُدمِّر!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى