دستور... ولكن!




إن تطور المجتمعات البشرية والفكر الإنساني، جعلا من الأمور المحتمة وجود قانون ينظم العلاقة بين الدولة والمواطنين من جهة، وبين الدولة والدول الأخرى من جهة أخرى، وهذا القانون يسمى الدستور.
والدستور هو القانون الضابط للمسؤول والفرد والمجتمع، والمكتوب من أجل تنظيم شؤون الوطن والمواطن، وهو أعلى سلطة قانونية في الدولة المدنية، وإليه يرجع الاحتكام، وبهذا فكل فعل يصدر بعد إقرار الدستور لا يتفق مع نصوصه لا يعتدّ به، حتى لو صدر من أعلى سلطة بالبلاد.
تاريخياً دستور الدولة العراقية كتب وعُدِّل أكثر من مرة، وكان القانون الأساسي للدولة العراقية الذي كتب في العام 1925، أول دستور للدولة، وبعد ذلك تمّ تغيير الدستور وتعديله وفقاً للتطورات السياسية والثقافية التي مرّت بها البلاد، ومن أبرزها  الدساتير الصادرة في الأعوام 1958، 1964، 1968، 1970، ثم "قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية"، أو "قانون بريمر"، الصادر في العام 2004، تلاه بعد ذلك "دستور" عام 2005، الذي كتب في مرحلة الاحتلال الأميركي للعراق أيضاً.
والذي يعنينا هنا هو الدستور العراقي للعام 2005، حيث لاحظ القارئ الكريم مواظبتي على الاستشهاد به، وهذا ليس من باب الموافقة عليه، وإنما من باب مُحَاجَّة الساسة بالقانون الذي وقعوا عليه، وإقامة الحُجَّة عليهم.
الدستور القائم في العراق اليوم يتضمن العديد من الأبواب، ومنها" المبادئ الأساسية، وشكل الدولة، والحكومة، والحقوق والحريات العامة، والسياسية، وحرية المجتمع، والحريات الفكرية، والسلطات الثلاث الاتحادية والهيئات المستقلة، وسلطات الأقاليم والمحافظات التي لم تنتظم بإقليم".
والدستور العراقي - كما يرى العديد من ذوي الاختصاص من القانونيين الدستوريين وغيرهم- عليه جملة من الملاحظات القانونية، وهذا يعني أنه تمت صياغته لمرحلة ضَبابيّة وغير هادفة لبناء دولة مستقرة آمنة تنعم بالسلام والرفاهية، وبدليل عدم احترامه من قبل الموقعين عليه.
اليوم حينما نقرأ بعض فقرات الدستور المتعلقة بسيادة الدولة، وكرامة المواطن، وحفظ موارد الوطن، والسعي لتوفير أفضل الخدمات للإنسان نجد أن هذه المعاني موجودة فعلاً ضمن صياغات الدستور- وربما صِيغ بعضها بلغة مُنَمَّقة- لكن السؤال الأبرز: هل هذه المعاني والقِيَم والمفاهيم موجودة على أرض الواقع؟!
حينما نعود إلى الواقع العراقي نجد عشرات القرارات والتصرفات الضاربة لفقرات الدستور، وقد نصت المادة (13):" يُعَدُ هذا الدستور القانون الأسمى والأعلى في العراق، ويكون ملزماً في أنحائه كافة، ولا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع هذا الدستور".
وسنحاول هنا ذكر صورة خطرة ومهمة من صور ضرب دستور العام 2005،  وهي قرار تشكيل الحشد الشعبي؛ وذلك خلافاً لما جاء في المادة التاسعة (ب) منه، والتي نصت على:" يحظر تشكيل أي مليشيا خارج إطار القوات المسلحة العراقية"، 
وكذلك فيما يتعلق بالسيادة العراقية التي باتت تتحكم بها أطراف إقليمية، والقيادة الإيرانية لا تخجل من ترديد أن "بغداد بيد إيران"، وهكذا الحال مع حرية الإنسان وكرامته، وثروة الشعب التي لا ندري أين صرفت، وفي أي الجيوب، أو المصارف دخلت! وغيرها العديد من التصرفات غير القانونية، التي تجاهلت كرامة الإنسان وثروات البلاد وسيادتها، وقد ثبت – بتجربة السنوات الماضية- أن السلطات الثلاث تتعامل مع الدستور وفقاً لمصالحها الحزبية والشخصية دون إعطاء أي اعتبار لحرمة الدستور، الذي وقعوا عليه، أو حتى قانون العقوبات العراقي، ولهذا نرى اليوم العديد من المطلوبين للقضاء العراقي والدولي يسرحون ويمرحون بعد أن رتبوا أوضاعهم مع منْ يمتلك القوة، وكأننا أمام "دولة دكتاتورية مغلفة باسم الدستور والديمقراطية"!
التلاعب ببنود الدستور وفقاً لمنطق القوة وليس لقوة القانون يؤكد استخفاف المتلاعبين بالدستور الذي كتبوه، وسعيهم لتحقيق أكبر قدر من المكاسب الحزبية والشخصية، ولو على حساب كرامة الوطن والمواطن وثروات البلاد.
العراقيون صاروا الآن أمام تصرفات وأفعال لا تتفق مع أبجديات أي دستور في العالم، فهل يمكن لحكام بغداد أن يوضحوا لنا هذه المغالطات، أم أنهم أحرار في ضرب دستورهم كما يحلو لهم؟!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى