دورات تعليم فنون الإرهاب!




العلاقة المخيفة القائمة بين بعض الأطفال والإرهاب جعلت الكثير من الحكومات والمفكرين وعلماء النفس والاجتماع في حيرة من أمرهم، ولهذا ليس من الهين الحديث عن أسباب تنامي الفكر المتطرف في صفوف هذه الفئات التي يفترض أنها تحب الحياة، وتتعامل من غالبية القضايا ببراءة وببساطة، وأعتقد أن التربية الفكرية غير المدروسة والسياسات الطائفية والانتقامية تُعد من المغذيات الرئيسية للإرهاب بكافة مراحله.
في منتصف حزيران (يوليو) 2017 ذكرت مجلة "الإيكونوميست" في تقرير خاص "جنّد الجهاديون المتطرفون الآلاف من الأطفال في العراق وسورية. وتم إرسال الكثيرين منهم إلى الجبهة ليموتوا. ويعمل آخرون كجواسيس، وصانعي قنابل، وطهاة أو حراس سجن. وفي الحالات المتطرفة، قام الأطفال بإعدام السجناء، واحتزوا رقابهم بالسكاكين".
وأضافت المجلة: "السؤال هو: كيفَ التعامل مع الخطر القادم؟ أحد الاحتمالات القاتمة هو قتل أكبر عدد ممكن من الجنود الأطفال في ميدان المعركة، وسجن البقية. ومع ذلك، تقول خبرة التاريخ أن ذلك سيحوِّل السجون إلى أرض خصبة لتكاثر الجيل القادم من المتشددين. وثمة مسبقاً نحو ألفي صبي يقبعون في سجون العراق، متهمين بالعمل مع "داعش". وتتسم مراكز الاعتقال هذه بسوء التجهيز للتعامل مع الصغار المتطرفين. وبعيداً عن تلقي عناية متخصصة، يقول الأطفال المعتقلون الذين قابلتهم مجموعات حقوق الإنسان: إن قوات الأمن العراقية قامت بتعذيبهم. وبتعرض هؤلاء الأطفال للإيذاء والهجران، سوف ينشأون وهم يكرهون الدولة".
وختمت الإيكونوميست تقريرها بالقول "سيكون الخيار الأفضل هو إعادة تأهيل الجنود الأطفال الذين ينجون من المعارك. وبإعادة تعليمهم وتوفير عمل لهم، سيكون هؤلاء الأطفال أقل احتمالاً لإعادة الانضمام إلى المجموعات المسلحة، وجذب أقرانهم إلى التطرف، أو إنشاء جماعاتهم المتمردة الخاصة، ولذلك تجري الآن في العراق دراسة الخطط لتوفير التدريب المهني لهؤلاء الأطفال". 
وعلى خلاف هذه الأماني، أو الخطط الحكومية رأينا أن حكومة بغداد ترعى دورات تعليم فنون الإرهاب المليشياوي للأطفال، وبطريقة استفزازية ومشابهة لأسلوب "داعش"، ففي العاشر من آب (أغسطس) 2017 حضر قائد شرطة محافظة ديالى اللواء الركن جاسم السعدي تخرج "دورة الشهيد القائد أبو منتظر المحمداوي لأشبال الحشد الشعبي من أبناء الشهداء في المخيم الكشفي لهيئة الحشد الشعبي بمحافظة ديالى (45) كم شرق بغداد".
وعدّ السعدي" هذه الدورات القاعدة الرئيسية لأبناء الحشد لأنهم جيل المستقبل الواعد". وتضمنت الدورة "استعراضا للمهارات القتالية وتوزيع الشهادات التقديرية على الأشبال المتخرجين".
وفي قرية (بشير) جنوبي كركوك شمالي العراق أنهت" ميليشيا الحشد يوم الأحد الماضي تدريب (180) طفلاً على حمل السلاح"!
هذه الدورات التخريبية لأطفال محافظتي ديالى وكركوك وغيرهما، والمدعومة من الحكومة، والمستقاة من الأساليب "الداعشية" لا يمكن التغاضي عن نتائجها التدميرية والوقوف أمامها موقف المتفرج الذي لا يعنيه الأمر لأنها تتعلق بتخريب عقلية أجيال بأكملها.
دورات تعليم الإرهاب لأطفال العراق ليست مدارس لتعليم الحب والتعاطف واحترام الحياة والبناء، وإنما هي خرائب وأوكار لتعليم الحقد والكراهية والقتل والتدمير في المجتمع، وهذا التوجه لا يمت للسياسة والحكمة والمنطق بشيء، لأن التربية على الإرهاب ستقود للإرهاب بلا شك؛ وبالتالي نحن نعمل على "تفريخ الإرهاب" المدعوم بكافة الإمكانيات! فهل هذه الأساليب ستبني شباب العراق وتحقق آمالهم وطموحات البلاد التي تأنُّ من الإرهاب حتى اللحظة؟ ثم ما هي واجبات الجيش إن كنا نعمل على استمرار ودعم الحشد الشعبي؟
بوصلة حكومة بغداد اليوم بعيدة عن الخط الوطني، بل ربما يمكن القول إنها باتجاه زرع الفتن والخراب بين أبناء المجتمع، وإلا فهل سيختلف اثنان على أن دورات تعليم الإرهاب للأطفال ستقود لمزيد من الإرهاب والجرائم في المجتمع، وليس إلى الاستقرار والتآلف؟!
المنطق السليم يفرض على حكومة بغداد السعي لإيقاف "التثقيف الإرهابي"، وإنهاء صور التخندق الطائفي العسكري، وإلا فربما ستكون هذه السياسات بداية لحروب أهلية قادمة لها أول وليس لها آخر، وهذا ما لا نأمل أن تصل إليه الفتن في العراق!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى