نصدق منْ؟


مع بداية المعارك المستمرة منذ ثلاثة أسابيع تقريباً في الموصل، ومع تلاحم المقاتلين، وتضارب الآراء في وسائل الإعلام بخصوص المعركة، بتنا نسمع بتصريحات مُحيرة، تجعل المتابع الجاد للأحداث في حيرة من أمره نظراً لتناقض تلك التصريحات على الرغم من صدورها من أطراف أجنبية وعراقية مسؤولة.
التصريح الأول صدر من رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي، الذي أكد فيه " أنه لن يسمح باستمرار الجرائم التي تقوم بها المليشيات الخارجة على القانون".
وبعد يومين من تصريح العبادي بث ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، تسجيلاً مصوراً يُظهر طفلين مقيدين- لا تتجاوز أعمارهما الـ(14) عاماً، نزحا من قرى أطراف الموصل- وهما في سيارة تابعة للحشد الشعبي، ويتعرضان للشتم والضرب على رأسيهما على يد مليشيات الحشد، الذين قالوا: (إن (الطفلين) من "الدواعش").
وفي ذات الوقت أكدت مصادر مطلعة أن "مسلحين من مليشيا الحشد الشعبي المتخفية بلباس الشرطة الاتحادية، قتلوا خمسة أشخاص من أبناء قرية نعينيعة المحررة في ناحية القيارة، جنوب الموصل".
فمنْ نُصدق، هل نُصدق خطاب العبادي، أم تسجيل التعذيب الفيديوي الذي يُعد من الأدلة الحديثة المعتبرة في القضاء، أم الأنباء التي تؤكد قتل المدنيين العزل على يد المليشيات؟
الحالة الثانية كانت تصريحاً من وزارة الدفاع العراقية على لسان العميد يحيى رسول، المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة، الذي نفى فيه أي" مشاركة لقوات أجنبية برية في معارك الموصل، وأن من يخطط للعمليات العسكرية الجارية ضد "داعش"، هي القيادة العامة للقوات المسلحة، وقيادة العمليات المشتركة، ومن ينفذ الخطط العسكرية، هي قوات الجيش العراقي، وعناصر مكافحة الإرهاب، والشرطة الاتحادية، وقوات الحشد الشعبي، وكلها تخضع للقيادة المشتركة، وأن وجود قوات التحالف الدولي في العراق هو لتبادل المعلومات الاستخبارية، وتوجيه الضربات الجوية لمواقع (داعش)، والتدريب والتسليح والتجهيز للقوات العراقية".
ومقابل هذا التصريح قال عمر حسين قائد قوات البيشمركة، المنتشرة على محور معسكر بعشيقة- 30 كم شرق الموصل- إن" الجنود الأميركيين في منطقة بعشيقة قصفوا لأول مرة مواقع "داعش" في الموصل بالمدفعية، وإن جنوداً أميركيين أقاموا معسكراً على محور بعشيقة، وإن المدفعية الأميركية ستواصل قصفها لمواقع تنظيم الدولة". 
وفي ذات السياق قال الناطق باسم الجيش الأميركي في العراق إن" أحد جنوده قتل بعبوة ناسفة في الشمال".
فمنْ نُصدق، هل نصدق كلام المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة، أم كلام قائد قوات البيشمركة، أم الناطق باسم الجيش الأميركي في العراق؟!
الحالة الثالثة المتناقضة صدرت من وزارة الدفاع الأميركية، حيث أعلن المتحدث باسمها "جيف ديفيس" في معرض رده على سؤال صحفي حول ما إذا كان الجيش الأميركي سيدعم قوات الحشد الشعبي في معارك تحرير الموصل: "أنه وبالرغم من أن هذه القوات تحت سيطرة بغداد إلا أن القوات الأميركية لا تدعمها، وأن قتال الحشد إلى جانب القوات العراقية المسلحة لا يعيق عمل قوات التحالف في دعم القوات الأمنية العراقية والقوات الكردية بالتحديد".
فماذا يعني قول ديفيس إن " قتال الحشد إلى جانب القوات العراقية المسلحة لا يعيق عمل قوات التحالف في دعم القوات الأمنية العراقية والقوات الكردية بالتحديد".
ألا يعني ذلك أنهم يقدمون الإسناد للقوات العراقية حتى لو كان معها قوات الحشد، وبالمحصلة هم يدعمون الحشد؟!
فمنْ نُصدق، ونحن نرى تناقضاً واضحاً في تصريحات المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية؟!
هذه التناقضات في هذه التصريحات وغيرها ليست من خدع الحرب، بل هي جزء من مسلسل خداع الرأي العام المستمر منذ العام 2003.
نحن لا يمكن أن نصدق أو نؤمن بأن الغرباء يمكن أن يُعمروا العراق. ونحن موقنون أن الصدق هو اللبنة التي ينبغي أن تُبنى عليها الدولة، وهو الدعامة الأساسية في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ولا نريد أن نبني الوطن بالاعتماد على الكذب والخداع. 
الذين يظنون أن السياسة تعني الكذب واهمون، وغارقون في الوهم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى