آمال الأم العراقية!



لكل انسان على وجه المعمورة حلم، أو أمنية يأمل، أو يطمح لتحقيقها خلال مسيرة حياته، وهذه الأمنية ربما تكون صغيرة، أو كبيرة، وذلك بحسب الامكانيات الفكرية والمادية للإنسان.
والآمال الإنسانية في غالبها ذاتية، تمتاز بالأنانية وحب التملك، إلا أن الحال مع الأم مختلف تماماً، فالأم أملها مختلف عن آمال الآخرين، فطموحها ليس ذاتياً، وهي تتمنى أن ترى أولادها وأحبابها في أفضل المراتب، وأحسن الأحوال، وكل ذلك لأنها ترى أملها وطموحها وذاتها بهم، فهم أملها قبل أن يولدوا، وحتى نهاية رحلة الحياة.
ومما جاء في (مجمع الأمثال): أن عاقّاً رمى أمه في واد استجابة لزوجته، فمر بها رجل وهي تبكي، فقال: ما يُبكيك؟ قالت: مضى ابني، وأخاف أن يفترسه الأسد!
هذه الحالة من الرقي في الايثار والرحمة والعطف والتسامح نجدها لدى كل الأمهات، فهنّ بحر متلاطم من الحنان والرقة والعطف، وعليه أنا أعتقد جازماً أن كل الجهود الإنسانية - مهما عظمت - لا يمكنها أن ترد للأمهات بعض تضحياتهن وصبرهن ودموعهن.
في الحادي والعشرين من كل عام يحتفل العالم بيوم الأم العالمي، والحق أن كل الأيام ينبغي أن تكون للأم، وهذا جزء من استحقاقها الطبيعي.
الأم هي الوطن والتاريخ والحضارة، وهي المدرسة، والركن الهادئ في الحياة، وهي نبع لا ينضب من الطيبة والرقة والرأفة والحنان الصادق، والمحبة الحقيقية، هي الروح التي تسري في أجسادنا.
الأم العراقية هي الأخرى تحتفل في يومها السنوي، ولكن احتفالها – مع الأسف والألم- من نوع خاص، وبشكل مختلف!
الأم العراقية أحلامها متلازمة مع واقعها المأساوي، الذي وجدت نفسها كبقية العراقيين فيه، وعليه فهي تحلم:
- أن ترى ابنها المعتقل منذ سنوات طويلة حراً طليقاً، يعيش أمام عينيها، وقضية الاعتقالات صارت من الصور المؤلمة المتكررة في المشهد العراقي اليومي، وقبل أيام تابعت لقاءاً مباشراً في إحدى القنوات الفضائية مع مجموعة من النسوة في منطقة الدورة جنوبي بغداد، حيث أكدت أكثر من امرأة أنه ومنذ ثلاثة أشهر، اعتقل رجال وشباب الحي من قبل قوات التدخل السريع، وعلى الرغم من المراجعات اليومية للوحدات العسكرية القريبة من المنطقة إلا أن الجميع أنكروا معرفتهم بالقوات التي نفذت عمليات الاعتقال!
جميع الأمهات أكدن أنهن لا يعرفن التهمة، التي بموجبها تم اعتقال أبنائهن وازواجهن، وتساءلن أين أُخذوا، فاذا كانت القوات الأمنية المتواجدة في بغداد لا تعرف جهة الاعتقال، فمن الذي نفذ الاعتقالات، التي شملت أكثر من (70) رجلاً؟! كانت أمنيات غالبية هؤلاء النسوة مؤلمة، وكن يرددن: " قولوا لنا حتى لو قُتلوا في المعتقلات أخبرونا، فنحن لا نعرف أين نذهب؟!"
- الأم العراقية تحلم بأن يكون جسدها الرقيق الضعيف خيمة تحمي أبنائها من سيل حمم الطائرات والمدافع، التي تنهال على منازل المدنيين بحجة مقاتلة تنظيم الدولة (داعش)، والاحصائيات اليومية تشهد أن غالبية القتلى والجرحى هم من النساء والأطفال، في الفلوجة ومناطق متفرقة من صلاح الدين ومناطق حزام بغداد.
- أكثر من مليون أرملة غالبيتهن يحلمن بتوفير لقمة العيش الكريمة لأبنائهن اليتامى، حيث يتواجد في بلاد الرافدين اليوم أكثر من خمسة ملايين يتيم، في ظل استمرار العمليات العسكرية، التي تنخر بالجسد العراقي!
وقبل الاحتفال بيوم المرأة العالمي ذكرت وزيرة الدولة لشؤون المرأة في العراق، (بيان نوري) أن: " النساء تأثرن بشدة من الهجمات المسلحة في البلاد، وأن أوضاع النساء النفسية، والإنسانية صعبة للغاية".
أحلام وأحلام بعيدة المنال، وغالبيتها هي جزء من الحقوق الطبيعية للإنسان في بقية بلدان العالم.
هذا هو حال الأمهات في العراق اليوم، كان الله في عون الأم العراقية الصابرة، وكان الله في عوننا نحن الذين حرمنا حتى من زيارة قبور أمهاتنا بسبب التشريد والغربة.

هي آهات وآلام حركتها الذكرى في زمن ضاعت فيه الكثير من موازين الصدق والحنان والوفاء!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى