معادلة الإرهاب



لا شك أن الاستعانة بالجيوش العربية بين دول العالم العربي قضية لها ايجابياتها، التي لا يمكن تحديدها بسهولة، وهي صورة من صور التكاتف العربي، وبالذات في مرحلة الأزمات الإنسانية والكوارث الطبيعية، والحروب مع أعداء الأمة، وأبسط هذه الايجابيات ازدياد الدعم اللوجستي، والخبرات الاستخباراتية بين الدول؛ وبالتالي تنعكس هذه (الإيجابيات) على أرض الواقع؛ لتحقق الأمن والحرية المنضبطة؛ وإشاعة روح الأمة الواحدة بين أبناء الوطن العربي.
الأزمة السياسية والأمنية العراقية الحالية دعت بعض الزعامات إلى طرح مبادرات غير مدروسة بدقة؛ لأنها بعيدة عن الواقع؛ ولم تأخذ الوقت الكافي للدراسة والتمحيص، وهي في الغالب دعوات (أمنية ممزوجة بأهداف سياسية غير واضحة)؛ الغاية منها - كما يقال - التشبث بأي شي، حتى لو بحلول غير واقعية، وهو كحال الغريق، الذي يتعلق بالقشة، التي لا وزن لها ولا تأثير؛ لأنه في موقف المصارع للموت؛ وبالتالي هو يريد أن يجد منقذاً له، بغض النظر عن حجمه وقوته الحقيقية، وهذا الكلام لا أقصد به الجيوش العربية؛ وإنما أنا أتحدث عن حال غالبية السياسيين في بغداد.
ومن هذه الدعوات ما طرحه رئيس مجلس النواب سليم الجبوري قبل أيام، الذي دعا إلى" تفعيل اتفاقية الأمن العربي، وما سينتج عنها من تشكيل قوة أمن ودفاع عربي إقليمي مشترك؛ لحماية المنطقة؛ ومواجهة التحديات، التي تتعرض لها دول المنطقة".
واتفاقية الأمن العربي الموحد ليست جديدة، بل هي اتفاقية أشرفت عليها الجامعة العربية عام 1950، وتحقق جزء كبير منها في حرب أكتوبر 1973، وبعد ذلك هي شبة غائبة، إلا عن صفحات الأوراق التي كتبت عليها!
وبعد حرب أكتوبر وجدنا تجارب إقليمية محدودة، ومنها تجربة الاتفاقية الأمنية الخليجية، في إطار مجلس التعاون الخليجي، الهادفة للتعاون بين هذه الدول؛ ولملاحقة الخارجين عن القانون؛ وتبادل المعلومات الأمنية حول المواطنين والمقيمين فيها، فيما أكدت المادة العاشرة من الاتفاقية على التعاون الميداني فيما بين تلك الدول.
دعوة الجبوري – ربما - ستواجه بالعديد من العقبات الداخلية والخارجية:
أما داخلياً، فيمكننا تسجيل العقبات الآتية:
- عدم وجود رغبة شعبية عراقية حقيقية للاستعانة بقوات غير محلية؛ حتى لو كانت عربية؛ وذلك بسبب تركيبة المجتمع المتنوعة، والموزعة بين العديد من الطوائف الشيعية، والسنية، والمسيحية، العربية، والكردية، وغيرهم من الأقليات؛ وعليه، لا يمكن لغير العراقيين تفهمها بسهولة.
- الخلافات بين الكتل السياسية الحالية حول هذه القضية؛ وعليه فإن استقدام تلك القوات بحاجة – ولو ظاهرياً – لموافقة حكومة بغداد، وأيضاً لموافقة مجلس النواب.
- العراقيون المعارضون للتواجد الأجنبي، وللعملية السياسية - وغالبيتهم الآن خارج البلاد - هؤلاء لا يمكن أن يوافقوا على مثل هذه الدعوات؛ لأنهم يرون مثل هذه الحلول، حلولاً ترقيعية؛ لا يمكن أن تقضي على أصل المشكلة، المتمثلة بالتهميش والغبن لمكون معروف من الشعب؛ وكذلك فإنهم يؤكدون على ضرورة أن يكون الحل عراقياً؛ وأن الاستعانة بمثل هذه القوات ستزيد من تعقيدات المشهد العراقي المركب أصلاً.
 أما خارجياً فإنه يمكن تحديد بعض العقبات، ومنها:
- عدم توحد القرار العربي السياسي، وهذا واضح في التعاطي مع العديد من الملفات، وخصوصاً في مرحلة ما بعد الربيع العربي.
- هنالك بعض الدول لها اتفاقيات (دولية) لمواجهة (التطرف)؛ وبالتالي هل هذه الدول يمكنها الدخول في تحالفات أخرى، عدا تحالفاتها الأصلية؟!
- أخيراً هنالك رغبة عربية - شبه عامة - لتعاون ثنائي محدود، وليس عبر عموم الدول العربية، باستثناء التجربة الخليجية، التي كانت فاعلة إلى حد ما.

وخلاصة القول: إن الإرهاب - الذي تريد الحكومة التنفيذية والتشريعية (العراقية) معالجته - ينبغي أن يشمل جميع الأطراف، ولا يمكن أن يستثني أي طرف في معادلة الإرهاب، حتى لو كان حكومياً؛ وإلا فإن هذه الحلول غير الشمولية لا يمكنها أن تنهي مأساة العراقيين ومعاناتهم من الإرهاب الرسمي وغير الرسمي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى