ناقوس الحرب الأهلية بالعراق، منْ يدقه؟!


الحرب الأهلية ببساطة هي اقتتال أبناء البلد الواحد فيما بينهم بمرحلة تكون فيها الدولة ضعيفة وشبه منهارة، وتلوذ فيها بعض الأطراف- مخطئة- لحمل السلاح تحقيقاً لأهدافها، التي ربما تكون مشروعة، وهذا بعيد عن المنطق والصواب، وخلال هذه الفتنة يكون صوت السلاح هو الأقوى من صوت العقل والحكمة، ومشاهد القتل والرعب والخراب هي الأوضح.
والعراقيون بعد عام 2003، واجهوا ما سُمي بالحرب "الأهلية الطائفية" في عامي 2006، 2007، والتي راح ضحيتها آلاف الأبرياء، الذين لا ذنب لهم إلا أنهم يحبون العراق، ويبغضون الخونة والعملاء، ومعظم هؤلاء الضحايا قُتلوا على يد بعض السفاحين، الذين دخلوا للأجهزة الأمنية الحكومية، وارتدوا الزي الرسمي، ونفذوا جرائمهم الشنيعة باسم القانون، وعلى يد المليشيات المدعومة من اطراف متنفذة في البلاد.
ومما لا شك فيه أن هذه الفتنة كانت بمباركة ودعم قوات الاحتلال الأمريكية، ومعها بعض الأجهزة الحكومية، وكانت الغاية هي اشغال العراقيين مع بعضهم البعض،  وتقليل الخسائر الأمريكية المستمرة في الميدان.
واستمرت الفتنة ردحاً من الزمن العصيب، وبعدها تنبه الأخيار من جميع مكونات الشعب العراقي إلى جوهر الفتنة، التي قادت لسفك دم الأبرياء بدم بارد، وراح ضحيتها خيرة شباب الوطن وعلمائه ووجهائه، وتم– حينها- تطويق النار التي حرقت الجميع بلظاها، وتجاوز العراقيون تلك المرحلة العصيبة، على الرغم من الخسائر الفادحة التي لحقت بهم.
وبمتابعة المشهد العراقي الحالي، نجد أن الصورة ما زالت قاتمة، والغليان الشعبي ما زال مستمراً، منذ أكثر من ثمانين يوماً، في نصف البلاد تقريباً، ومقابل ذلك حكومة تتجاهل مطالب هذه الحشود المليونية!
المتظاهرون رغم كل المضايقات والتجاهل الحكومي استمروا باعتصاماتهم ومظاهراتهم السلمية، وباءت أساليب اشعال الفتنة من الطرف الحكومي بالفشل، وبعد أن وجدت الحكومة بأن سياسات التهديد والقتل لم تُجد نفعاً، نجدها بدأت تخوف الداخل والخارج من حرب طائفية محتملة يمكن أن تهدد العراق ووحدته!
هذا التخويف، أو التهديد الحكومي جاء على لسان رئيس الحكومة الحالية نوري المالكي الذي حذر يوم 7/3/2013، خلال كلمة في الاحتفال بمناسبة يوم المرأة ببغداد من التهاون مع الأزمة الحالية " لأن الحرب الطائفية على الأبواب، ولن يسلم منها أحد، وأن هناك الآن في العراق حالة مفككة والخطر يدهم البلاد، وهي حالياً ليست بعيدة عن تكرار عمليات القتل على الهوية وقطع الرؤوس والاقتتال الطائفي، وأن كل ذلك سيعود إلى العراق، وهذا تشخيص واقعي".
و لا ادري ما الذي يقصده رئيس الحكومة بالازمة؟
ثم إذا كانت حكومة المالكي حريصة على البلاد إلى هذه الدرجة، لماذا تتجاهل نصف الشعب العراقي، وتفتح في كل يوم مئات الأبواب المدمرة للعراق عبر الارهاب الرسمي، وتهميش الآخرين؟!
هذه التهديدات تقودنا إلى التساؤل الآتي: منْ المسؤول عن تفجير هذا البركان الغاضب" الحرب الأهلية"، الذي لو انفجر،- لا قدر الله- فإنه سيحصد أرواح الأبرياء الذين لا يجدون حكومة قادرة على حمايتهم، بل هي جزء من مخطط الحرب هذه.
وهنا يمكن ايجاد بعض المخارج للإجابة عن هذا التساؤل:-
أولاً: المسؤول الأول هو الولايات المتحدة الأمريكية التي خططت، ونفذت كل المشهد العراقي المشوه، ثم تركته لتنسحب بجلدها؛ لتخليص قواتها من غضب المقاومة العراقية.
ثانياً: استمرار التغلغل الإيراني بالعراق، والذي وقف بوجه كافة الأطراف اللاعبة على الساحة من أجل اعادة تنصب المالكي رئيساً لمرحلة جديدة، وهي، "أي إيران"، من مصلحتها أن تبقى الأوضاع في العراق غير مستقرة، ولا تنصب على أراضيه حكومة وطنية؛ لأن ذلك يعني أنها ستفقد العراق كورقة ضغط ضد بعض الدول سواء في المنطقة، أو في خارجها، وكذلك تفقد خيراته التي تتحكم بها الآن بشكل مباشر، أو غير مباشر.
ثالثاً: دفع بعض الأطراف المتغولة على المشهد السياسي بهذا الاتجاه؛ لأنها ستفقد مكاسبها الحزبية والشخصية التي تمتعت بها خلال السنوات الماضية، وبالتالي فإنها مستعدة لحرق البلاد، وقتل الأبرياء من أجل هذه المصالح الضيقة!
خلاصة القول إن اليقين الذي لا شك فيه، هو أن الحرب الأهلية لا يمكن وقوعها في العراق بهذه السهولة التي تتصورها الحكومة وأتباعها، وشبح هذه الحرب موجود في مخيلة الحكومة وأتباعها، وهي وأسيادها يدفعون بهذا الاتجاه لتغطية فشلهم الذريع في كافة الملفات الأمنية والخدمية، أما الشعب العراقي فهو أقوى وأسمى من كل هذه المخططات الخبيثة، وسيخرج من هذا الاختبار العسير منتصراً بوحدته، وتكاتفه، وإخلاصه لأرضه ووطنه، وهذا ما أثبته الماضي، وسيؤكده المستقبل!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى