"تويتر" ميدان جديد لمُناحرات ساسة العراق



المواجهات بين السياسيين العراقيين أخذت عدة أشكال وأنماط ومنها التصفيات الجسدية والمعنوية، والكيد القضائي، والحروب الإعلامية، وقد برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة "غريبة" تمثّلت في الحملات المنظمة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبالذات (تويتر) من قبل بعض الأطراف السياسية الفاعلة ضد بعض "الشركاء".
الهجمات "التويترية" كانت - في الغالب- غير صريحة، ومليئة بالألغاز التي يفهمها المقصود بها.
هذه " التغريدات" تحمل في طياتها العديد من الرسائل، ومن أبرزها:
- أنها تهديدات ذات طابع رسميّ، لأنها من أطراف مشاركة في الحكم ضد من يمثلون "الفريق المُغيَّب" عن السلطة!
- أن الطرف المقصود غير مرغوب به داخل العملية السياسية، وعليه أن يحزم حقائبه، ويعود إلى صفوف القوى الرافضة، أو البعيدة عن اللعبة السياسية.
- التهديد غير المباشر للمقصودين بها، وقد تتطور تلك التهديدات وتصل لمرحلة التصفيات الجسدية والسياسية والقانونية.
- التحشيد الإعلامي والشعبي ضد الشخصيات المستهدفة.
- تعليمات غير مباشرة لرئيس الحكومة المُكلَّف عادل عبد المهدي بعدم الاقتراب من الأطراف المشار إليها، وعدم منحها أيّ مناصب مهمة.
القوى المقصودة بتلك " التغريدات" لم تَصمت، وإنما حرّكت قُواها السياسية والإعلامية للرد بطرق مباشرة وغير مباشرة، ومنهم منْ لم يمتلك الشجاعة الكافية للرد، فذهب مغرداً بأبيات تُنسب لأبي الأسود الدؤلي، ومنها قوله:
يا أيها الرجل الْمُعَلِّمُ غَيْرَهُ *** هَلَّا لِنَفْسِك كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ!
هذا التناحر "التويتري" – ربما- سيقود إلى مواجهات على الأرض، وهو تماماً كصبّ الزيت على النار، التي قد تُحرق الأخضر واليابس في أيّ لحظة؛ لأننا نتحدث عن قوى لديها الإمكانيات الذاتية لتنفيذ تهديداتها وتحريك أيّ ملف سياسي أو قضائي، وتوجيه خلاياها النائمة في غالبية المدن العراقية ضد من تشاء، بما فيهم الحكومة.
أرى أن القضية مُعقّدة، وذات أبعاد خطيرة؛ لذلك ينبغي على القضاء العراقي التدخل العاجل لضبط "تغريدات" كافة المشاركين في العملية السياسية؛ لأنها "تغريدات" ليست شخصية، بل تحمل في طياتها رسائل – ربما- تقود لإشعال فتنة طائفية، أو لتصفية شخصية ما، وعليه ينبغي على القضاء أن يمتلك الجرأة والشجاعة لإيقاف مثل هذه "التغريدات"، في وقت نسمع بين آونة وأخرى باعتقالات لبعض الناشطين والإعلاميين والصحفيين بسبب "تغريداتهم" الناقدة للخراب المُتنوّع المستشري في البلاد؛ وعليه لماذا هذا الكيل بمكيالين في التعامل، والتّغاضي عن  أطراف هي أكثر تأثيراً من هذا الكاتب الصحفي، أو ذاك؟
الحكومة ينبغي أن تقوم بدورها اللازم بترشيد الخطاب الإعلامي سواء على مواقع التواصل الاجتماعي، أو في البيانات والقنوات الفضائية الرسمية لأن هذه الخطابات التَنفيرية الطاردة، المليئة بالكراهية والتهديد المبطن لا تتفق مع ما تدّعيه من ضرورة التعايش السلمي بين العراقيين.
البلدان لا تُبنى بالسياسات المُتهوِّرة وغير المدْروسة، والبناء الحقيقي يكون عبر فريق عمل من شخصيات تمتلك خبرات علمية وفنية في شتى ميادين المعرفة، وهؤلاء هم الذين يرسمون السياسات العامة للوطن، أو لهذا الزعيم، أو ذاك، أما جلوس هذا المسؤول، أو ذاك على جهاز الحاسوب في لحظة ما، ثُمّ يكتب تغريدته التوجيهية التعليمية، وكأنه " المَعْصوم"، الذي لا يرتكب الأخطاء، فهذا الأسلوب لن يجدي نفعاً، ولن يضمد جراحات البلاد وعِللها التي تَئِنّ منها حتى اللحظة، ومن أعمقها استخفاف غالبية المشاركين في العملية السياسية بـ(الدولة ذاتها)، التي يدعون الانتماء إليها بدليل امتلاكهم لقوات مسلحة خارج إطار القوات المسلحة الرسمية، خلافاً للدستور العراقي الذي يُنادون باحترامه!
الأمن والسلام والطمأنينة لن تحلّ في العراق إلا بتحوّل سياسي شامل، وبناء دولة المواطنة، والقضاء على القوى الخارجة عن القانون، وتقديم القتلة والمجرمين إلى محاكم عادلة، وإنهاء ملف المعتقلين الأبرياء، وغيرها من الملفات العاجلة.
استمرار المُناطحات والمُناكفات والتلميحات في البيانات الرسمية و"التويتر" عبث لا يخدم البلاد وأهلها، فهل سيكفّ هؤلاء الساسة عن المواجهات "التويترية"، أم أنهم سيجعلون من "التويتر" ميداناً جديداً لمُناحراتهم القديمة الجديدة؟


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى