احتجاجات جنوب العراق وصراع القوى الشيعية




الصراح المتجدد في العراق بين الحكومة والعراقيين، والبارز هذه الأيام عبر المظاهرات الواسعة التي عمت كافة مدن الجنوب ( البصرة، ميسان، ذي قار، كربلاء، بابل، النجف، وكذلك أجزاء واسعة من العاصمة بغداد، ومناطق صغيرة في ديالى) هذا الصراع يؤكد أن العراقيين وصلوا إلى مرحلة اليقين بأن هذه الحكومة والقوى الحاكمة غير قادرة على إدارة البلاد.
هذه المظاهرات تؤكد حالة الغضب الشعبي، وتثبت قضية عدم قناعة كبيرة في الشارع الشيعي العراقي بأداء القوى الشيعية الحاكمة والمدعومة دينياً ودولياً، وذلك بسبب فشل هذه الحكومات في تقديم ابسط الخدمات الضرورية للمواطنين.
ما يجري من مظاهرات صورة ليست جديدة لكن يبدو أنها الأبرز في ملف الخلافات بين الأحزاب والتجمعات الشيعية الحاكمة، ومن ثم في مراحل لاحقة بين تلك القوى الحاكمة وجمهورها الشيعي.
الخلافات برزت بعض صورها بين القوى الشيعية المسيطرة على المشهد السياسي، وطفحت للسطح في المراحل السابقة والتالية للانتخابات البرلمانية التي جرت في منتصف أيار/ مايس الماضي، والتي لم تظهر نتائجها حتى الساعة.
ومن صور هذه الخلافات السياسية بين الكتل الشيعية الحاكمة ما كشف عنه تيار الحكمة برئاسة عمار الحكيم، والذين أكدوا " وجود مافيات لبيع وشراء الأصوات داخل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات".
وفي بداية مايو 2018، حذر زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، من محاولات تزوير الانتخابات البرلمانية العراقية، ، وأنه  "سنزلزل الأرض تحت إقدام الفاسدين والمزورين إذا تم التلاعب بالأجهزة الحديثة (العد والفرز الإلكتروني) واللجوء إلى التزوير".
وفي ذات السياق أبدى نائب الرئيس العراقي، نوري المالكي، في مقابلة تلفزيونية  تخوفه من التلاعب في نتائج الانتخابات البرلمانية مؤكداً على أن "الحروب الأهلية عادة تحصل بعد الإحصاء السكاني إذا جاءت النتيجة لا ترضي نسب المكونات، وتحدث حرب أهلية بعد الانتخابات إذا طعن بنتائجها".
وتعقيبا على حديث المالكي، تساءل المحاور قائلا: "هل كلامك تهديد أم تحذير أم تنبيه؟ هل تخشى أن التلاعب بنتائج الانتخابات قد يؤدي إلى حرب أهلية؟".
ورد رئيس ائتلاف دولة القانون عليه بالقول: "نعم هي خشية وليست تهديدا، وأنا أهدد نفسي والجميع، أن لا تتلاعبوا بالانتخابات حتى لا تحدث حرب أهلية".
هذه التهديدات المباشرة وغير المباشرة موجهة من قوى شيعية لقوى شيعية أخرى، لأن الطرف السني هو الأضعف في اللعبة، والكرد لهم حالتهم الخاصة بهم!
وهذه التهديدات تؤكد مستوى التأزم الذي سبق مرحلة الانتخابات- المسيطر عليها من قبل القوى الشيعية المدنية والعسكرية-!
وقد برز هذا التأزم ثانية بعد نهاية الانتخابات البرلمانية، والتي لم تظهر نتائجها حتى الساعة بعد شهرين من موعد إجرائها، وكذلك في المباحثات السابقة – والحالية- لتشكل الكتلة الأكبر داخل البرلمان العراقي القادم!
الصراع الداخلي تطور اليوم، وخرج من ميدان السياسة إلى الشارع العراقي، وقد تطور بشكل سريع، ووصل لمرحلة المواجهات بين الجمهور الشيعي والأحزاب والقوى الشيعية، وهذا تطور خطير ربما هو الأول من نوعه في البلاد منذ مرحلة ما بعد 2003.
المظاهرات في جنوب العراق دخلت أسبوعها الثاني، وقد رافقتها عمليات حرق لمقار الأحزاب الكبرى، ومنها حزب الدعوة الحاكم، وحزب الفضيلة، ومقار تيار الحكمة، وحزب الله العراقي وثكنات منظمة بدر، وغيرها من المقرات التابعة للقوى الفاعلة في المشهد السياسي العراقي.
الخلاف بين الحكومة والجماهير - التي كانت تظن أنها تؤيدها- كان واضحاً وكبيراً بدليل أن العبادي عاد من بروكسل مباشرة إلى البصرة ليلتقي بوجهاء المدينة الذين اخبروه أنهم لا يثقون بوعوده لهم حتى ضمن إطار القاعة التي يجتمعون بها، وقد دخل المتظاهرون للفندق الذي يقيم فيه العبادي، وهم يهتفون ضد سوء إدارته للبلاد، مما اضطر حمايته لإخراجه بصعوبة من الباب الخلفي للفندق!
حكومة بغداد تعاملت بأسلوب غير حضاري مع المظاهرات، وقد استخدمت القوة المفرطة في تفريق المتظاهرين!
وفي محاولة حكومية لتشتيت جهود المتظاهرين وقطع التواصل الشعبي والمعنوي بينهم عملت على قطع الأنترنيت عن مدن المظاهرات وعموم العراق لأكثر من 40 ساعة، وهذا يعد انتهاكاً لأبسط حقوق الإنسان، وضربة لشعارات احترام المواطن العراقي التي ترفعها الحكومة.
وزارة الصحة العراقية ذكرت أن عدد قتلى المظاهرات بلغ ثمانية متظاهرين لغاية صباح يوم الاثنين بالإضافة إلى 56 جريحاً بينهم 8 في حالة حرجة، وذلك نتيجة استخدام القوات الأمنية للرصاص الحي في تفريق المتظاهرين، فيما ذكرت مصادر غير رسمية نقلاً عن وزارة الداخلية العراقية أن أكثر من (400) بين قتيل وجريح!
استخدام القوة المفرطة في التعامل، أو التعاطي مع المطالب الإنسانية للجماهير في جنوب العراق، يؤكد أن زعماء بغداد لا يفكرون إلا بأنفسهم، وأنهم مستعدون لقتل أتباعهم من أجل الكراسي، وربما ستكون المرحلة القادمة حبلى بأحداث جسام ربما أقلها عمليات اغتيالات متبادلة، وربما تصل لمرحلة الحرب الأهلية، وحينها سيحترق الأخضر واليابس، وكل ذلك لأن زعماء العراق لا يردون الاعتراف بفشلهم في قيادة البلاد!
@jasemj67

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى